استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة
الفتوى رقم (29)
استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة
السؤال:
سؤال لفضيلتكم، انتقلت للعيش في لندن واشتريت منزل جديد ولم أنتبه بداية إلى اتجاه الخلاء فيه، ثم تفاجأت بأنه باتجاه القبلة، فهل يجوز استعماله أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
يجوز لكم استعمال الخلاء في المنزل وإن كان على اتجاه القبلة ولا حرج عليكم في ذلك، وذلك لأنه في البنيان، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد في بعض رواياته أنه لا يجوز استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء عند قضاء الحاجة ويجوز ذلك في البنيان.
واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «رَقِيتُ يوماً على بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله ﷺ قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ»(1).
وبما رواه أبو داود عن مروان الأصفر أنه قال: «رأيت بن عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا، فقلت: يا أَبَا عبد الرحمن أَلَيْسَ قد نُهِيَ عن هذا؟ قال: بَلَى إنما نُهِيَ عن ذلك في الْفَضَاءِ، فإذا كان بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فلا بَأْسَ»(2).
قال النووي رحمه الله: هذه أحاديث صحيحة مصرحة بالجواز في البنيان، وحديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وردت بالنهي فيحمل على الصحراء ليجمع بين الأحاديث، ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها، بل يجب الجمع بينهما والعمل بجميعها، وقد أمكن الجمع كما ذكرناه فوجب المصير إليه، وفرقوا بين الصحراء والبنيان من حيث المعنى، بأنه يلحقه المشقة في البنيان في تكلفه ترك القبلة بخلاف الصحراء(3).
و ذهب الإمام أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن العربي من المالكية وأبو ثور من الشافعية إلى عدم جواز استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، سواء أكان هذا في الصحراء أو في البنيان؛ لما رواه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ ولا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا قال أبو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشام فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى»(4).
وبما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: «…..لقد نهانا ـ أي النبي ﷺ ـ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أو بَوْلٍ»(5).
ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إذا جَلَسَ أحدكم على حَاجَتِهِ فلا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ ولا يَسْتَدْبِرْهَا»(6).
قالوا: ولأن المنع لأجل تعظيم القبلة وهو موجود في الصحراء والبنيان، فالجواز في البنيان إن كان لوجود الحائل فهو موجود في الصحراء في البلاد النائية؛ لأن بينها وبين الكعبة جبالاً وأودية وغير ذلك، لا سيما عند من يقول بكروية الأرض فإنه لا موازاة إذ ذاك بالكلية.
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري (148) ومسلم (226).
(2) رواه أبو داود (11) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (8).
(3) شرح مسلم للنووي (3/127) والمجموع (2/96) وينظر: عمـدة القارئ (2/277) والاخـتيار (1/37) والدر المختار (1/342) والمدونة (1/26) والاستذكار (2/443/445) ومواهب الجليل (1/279) والذخيرة (1/204/205) والأوسط (1/324/327) والمجموع (2/96) والمغني (1/206/207) والكافي (1/50)الإنصـاف (1/100/101) والتنقيح (1/88) والإفصاح (1/70/71) وفتح الباري (1/296).
(4) رواه البخاري (386) ومسلم (264).
(5) رواه مسلم (262).
(6)رواه مسلم (265).
الفتوى بصيغة الفيديو