الموالاة في الوضوء
الفتوى رقم (79)
الموالاة في الوضوء
السؤال:
هل يلزم الموالاة بين أعضاء الوضوء بحيث لا يجف عضو قبل أن أغسل الذي بعده؟ أم يصح الوضوء دون موالاة بين الأعضاء؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
اختلف العلماء في حكم الموالاة في الوضوء، هل هي واجبة أم سنة؟ أم أنها تجب حال التذكر وتسقط حال النسيان؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب الحنفية والشافعية في المذهب والمالكية في قول وأحمد في رواية -وهذا القول هو الصحيح- إلى أن الموالاة في الوضوء سنة؛ لظاهر الآية، ولأن المأمور به غسل الأعضاء، فكيفما غسل جاز، ولأنها إحدى الطهارتين فلم تجب الموالاة فيه كالغسل.
واحتجوا أيضاً بما ثبت عنه ﷺ أنه كان يتوضأ في أول طهوره ويؤخر غسل رجليه إلى آخر الطهر(1).
القول الثاني: ذهب المالكية في قول والإمام الشافعي في القديم والحنابلة في المذهب إلى وجوب الموالاة مطلقاً.
واحتجوا على ذلك أن النبي ﷺ رَأَى رَجُلًا يصلي وفي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لم يُصِبْهَا الْمَاءُ «فَأَمَرَهُ النبي ﷺ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ»(2).
ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعة، ولأنها عبادة يفسدها الحدث فاشترطت الموالاة كالصلاة.
والآية دلت على وجوب الغسل، والنبي ﷺ بيّن كيفيته، وفسر مجمله بفعله وأمره، فإنه لم يتوضأ إلا متوالياً، وأمر تارك الموالاة بإعادة الوضوء.
القول الثالث: ذهب المالكية في المشهور والحنابلة في قول وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أن الموالاة واجبة مع الذكر والقدرة ساقطة مع النسيان، ومع الذكر عند العذر ـ مثل عدم تمام الماء ـ ما لم يتفاحش التفاوت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا القول هو الأظهر والأشبه بأصول الشريعة وبأصول مذهب أحمد وغيره، وذلك أن أدلة الوجوب لا تتناول إلا المفرط، لا تتناول العاجز عن الموالاة(3).
قال المالكية: الْمُوَالَاةُ : عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِ الطَّهَارَةِ فِي زَمَنٍ مُتَّصِلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ فَاحِشٍ، أَيْ : يُفْتَرَضُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى غَسْلِ الْعُضْوِ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ الَّذِي قَبْلَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا، عِنْدَ اعْتِدَالِ الزَّمَانِ (وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي فَصْلٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَفَافُ الْمَاءِ بِحَالَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ) وَالْمَكَانِ (أَيْ أَلَّا يَكُونَ فِي مَكَانٍ فِيهِ حَرٌّ أَوْ بَرْدٌ شَدِيدَانِ يُجَفِّفَانِ الْمَاءَ) وَالْمِزَاجِ (وَهُوَ أَلَّا يَكُونَ فِي طَبِيعَةِ الشَّخْصِ مَا يُوجِبُ تَجْفِيفَ الْمَاءِ بِسُرْعَةٍ).
وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِ الْمُوَالَاةِ شَرْطَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَضِّئُ ذَاكِرًا، أَمَّا إِنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى وُضُوئِهِ وَيُتِمُّهُ، سَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ أَمْ قَصُـَر. وَكَذَا مَنْ نَسِيَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ تَرَكَ لُمْعَةً فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ الْمَنْسِيِّ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَعْضَاءِ، أَما إِنْ لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ (أَيْ لَمْ يَجِفَّ الْعُضْوُ بَعْدُ) فَإِنَّهُ يَفْعَلُ الْمَنْسِيَّ وَيُعِيدُ مَا بَعْدَهُ اسْتِنَانًا لِأَجْلِ تَحْصِيلِ سُنَّةِ التَّرْتِيبِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَضِّئُ قَادِرًا عَلَى الْمُوَالَاةِ، فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ لِعَجْزِهِ عَنِ الْمُوَالَاةِ غَيْرَ مُفَرِّطٍ، فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْفَوْرِيَّةُ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ النَّاسِي.
وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يُحْضِـرَ الْمُكَلَّفُ الْمَاءُ الْكَافِي – بِاعْتِقَادِهِ – لِلْوُضُوءِ ثُمَّ يَظْهَرُ عَدَمُ كِفَايَتِهِ، أَوْ يُهْرَاقُ الْمَاءُ، أَوْ يُغْصَبُ مِنْهُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى مَاءٍ آخَرَ لِيُكْمِلَ بِهِ وُضُوءَهُ، فَيَنْتَظِرُ مُدَّةً تَجِفُّ بِهَا الْأَعْضَاءُ الَّتِي غَسَلَهَا، فَعِنْدَ حُضُورِ الْمَاءِ يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ وَيُتِمُّ وُضُوءَهُ وَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ عَاجِزًا مُفَرِّطًا، كَمَنْ أَحْضَرَ مِنَ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِي لِوُضُوئِهِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ مَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ، وَإِلَّا صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَامِدًا لَا نَاسِيًا وَلَا عَاجِزًا، فَيَبْطُلُ الْوُضُوءُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ مِنْ جَدِيدٍ(4).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري (257) ومسلم(317).
(2) رواه أبو دواد(175). وصححه الألباني في صحيح أبي داود(161).
(3) مجموع الفتاوى(21/135/136) ورد المحتار(1/245) والبدائع(1/92) وروضة الطالبين(1/214) وشرح مسلم(3/108) وحاشية الدسوقي(1/147) وبداية المجتهد(1/38) والمغني(1/175) ونيل الأوطار(1/217) ومنار السبيل(1/34) وتفسير القرطبي(3/468).
(4) شرح مختصر خليل(1/127) والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي(1/147) وبداية المجتهد(1/38) وتفسير القرطبي(3/468) وتحبير المختصر(1/143، 144).
الفتوى بصيغة فيديو: https://youtu.be/Cmsb_zWjND0