الوضوء من الأواني المشتبهة بين الطاهر والنجس
الفتوى رقم (18)
الوضوء من الأواني المشتبهة بين الطاهر والنجس
السؤال:
أردت الوضوء ولكن اختلطت عليّ الأواني وكان وقع في بعضها نجاسة فلم أدرِ أيها طاهر وأيها نجس فماذا علي أن أفعل؟
علمًا أنه لا ماء قريب مني غير هذه الأواني.
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلّى الله وسلم على رسول الله
أما بعد:
اختلف أهل العلم في هذه المسالة على أقوال.
والصحيح من أقوال أهل العلم في ذلك أنه يتوضأ بعدد النجس وزيادة إناء.
يعني أنه يتوضأ من أحدهما ثم يصلي ثم يتوضأ من آخر ويصلي يفعل ذلك بعدد النجس وزيادة واحد.
فإن كانت الأواني خمسة والنجس منها اثنان فيتوضأ من ثلاثة منها ويصلي بكل وضوء صلاة، وإن كان النجس ثلاث توضأ من أربعة منها وصلي بكل وضوء صلاة، وإن كان النجس أربعة توضأ منها جميعًا وصلى كذلك.
وبهذا قال ابن الماجشون من المالكية وهو القول الثاني لسحنون؛ وذلك لأن الشخص في هذه الحالة معه ماء محقق الطهارة ولا سبيل إلى تيقن استعماله إلا بالتوضؤ والصلاة بعدد النجس وزيادة إناء فلزمه ذلك.(1).
وللعلماء أربعة أقوال أخرى غير هذا بيانها فيما يلي:
القول الأول: يجب عليه الاجتهاد والتحري لمعرفة الطهور منها؛ فإذا اجتهد وغلب على ظنه طهورية أحدهما بعلامة تظهر جاز له التطهر به، وإلا فلا وهذا مذهب جمهور الشافعية وهو قول ابن المواز وسحنون وابن العربي من المالكية.
قال النووي رحمه الله: إذا اشتبه ماءان طاهر ونجس….الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور وتظاهرت عليه نصوص الشافعي : أنه لا يجوز التطهر بواحد منهما إلا إذا اجتهد وغلب على ظنه طهارته بعلامة تظهر، فإن ظنه بغير علامة تظهر لم تجز الطهارة به….وسواء عندنا كان عدد الطاهر أكثر أو أقل، حتى لو اشتبه إناء طاهر بمائة إناء نجسة تحرى فيها، وكذلك الأطعمة والثياب هذا مذهبنا وبمثله قال بعض أصحاب مالك(2).
واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ [النساء: 43] وهذا واجد ماء فلم يجز التيمم، ووجب الاجتهاد، وبأن التطهر شرط من شروط صحة الصلاة يمكن التوصل إليه بالاجتهاد، فوجب قياسًا على القبلة وعلى الاجتهاد في الأحكام وفي تقويم المتلفات وإن كان قد يقع الخطأ(3).
القول الثاني: يجب عليه الاجتهاد والتحري إذا كان عدد أواني الماء الطهور أكثر من عدد أواني النجس، فإن كان عدد أواني الماء الطهور مساويًا لعدد أواني النجس أو أقل لا يجوز له التحري بل يتيمم، وبهذا قال الحنفية وهو قول أبي علي النجاد من الحنابلة(4).
القول الثالث: أنه لا يجوز التحري في المياه المختلطة عند الاشتباه مطلقًا، بل يترك الجميع ويتيمم، وهو أحد قولي سحنون من المالكية وبه قال أبو ثور والمزني من الشافعية وهو قول الإمام أحمد وأكثر أصحابه (5).
واستدلوا على ذلك بأنه إذا اجتهد قد يقع في النجس؛ ولأنه اشتبه طاهر بنجس فلم يجز الاجتهاد كما لو اشتبه ماء ببول(6).
ثم اختلف هؤلاء فيما بينهم:
فقال أحمد في أحد الروايتين: لا يتيمم حتى يريق الماء لتحقيق عدم الماء.
والثانية: يجوز له التيمم قبل ذلك اختاره أبو بكر.
قال ابن قدامة: هو الصحيح؛ لأنه غير قادر على استعمال الطاهر.
وقال سحنون وأبو ثور والمزني: يتيمم ويصلي ولا إعادة وإن لم يٌرِقْه؛ لأنه كالمعدوم (7).
القول الرابع: يجوز التطهر بأيهما شاء بلا اجتهاد ولا ظن وهو وجه للشافعية.واستدلوا بأن الأصل طهارته.
وضعَّف هذا الوجه إمام الحرمين وغيره(8).
المفتي : الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) واهب الجليل (1/171) والقوانين الفقهية (38).
(2) المجموع (2/164/165) والأم (1/11) ومغني المحتاج (1/59) ومواهب الجليل (1/171) وتهذيب الفروق (1/228).
(3) المجموع (2/167).
(4) حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح (1/23) والمجموع (2/165) والمغني (1/84).
(5) مواهب الجليل (1/171) والقوانين الفقهية (38) والمجموع (2/165) والمغني (1/85).
(6) المجموع (2/165).
(7) المجموع (2/165) والمغني (1/86) ومواهب الجليل (1/171).
(8) المجموع (2/165).