تعريف الختان وحكمه
الفتوى رقم (39)
تعريف الختان وحكمه
السؤال:
ما المقصود بالختان وما هو حكمه وهل يجب على الذكور والإناث أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الختان لغة: الاسم من الختن، وهو قطع القلفة من الذكر، والنواة من الأنثى.
كما يقال: ختن الغلام والجارية يختنهما ويختنهَما ختناً.
ويقال: غلام مختون وجارية مختونة وغلام وجارية ختنان. كما يطلق عليه الخفض والإعذار، وخص بعضهم الختن بالذكر والخفض بالأنثى، والإعذار مشترك بينهما(1).
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
وأما حكم الختان:
فقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على مشروعية الختان
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: واتفقوا أن من ختن ابنه فقد أصاب واتفقوا على اباحة الختان للنساء(2).
وقال ابن هبيرة رحمه الله: اتفقوا على أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق الأنثى مشروع(3).
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: وختان المرأة مشروع بغير خلاف (4).
إلا أن الفقهاء اختلفوا هل هو واجب أم سنة؟ وهل هو واجب في حق الرجال والنساء؟ أم هو واجب في حق الرجال فقط وسنة في حق النساء؟
إلا أن الصحيح المختار أن الختان هو سنة في حق الرجال والنساء جميعاً
وإليك تفصيل العلماء في المسألة:
فذهب الحنفية والمالكية وهو وجه شاذ عند الشافعية ورواية عن الإمام أحمد اختارها ابن أبي موسى إلى أن الختان سنة مؤكدة في حق الرجال -يأثم تاركهاـ وهو من الفطرة ومن شعائر الإسلام وخصائصه فلو اجتمع أهل بلد على تركه حاربهم الإمام وأنه لا يترك إلا لضرورة(5).
أما في حق المرأة فهو مكرمة -أي مستحب-، وإنما كان مكرمة لأنه يرد ماء الوجه ويطيب الجماع والمراد برد ماء الوجه أنه يتسبب عنه رونق الوجه وبريقه ولمعانه.
وفي قول عند الحنفية: أنه سنة للنساء ـ أيضاً ـ أي مؤكدة(6).
وقال ابن هبيرة رحمه الله: اتفقوا على أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق الأنثى مشروع.
ثم اختلفوا في وجوبه. فقال أبو حنيفة ومالك: هو سنة في حقها، وليس بواجب وجوب فرض، ولكن يأثم تاركوه(7).
واستدلوا على ذلك من السنة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «خَمْسٌ من الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ»(8).
قالوا: فقد قرن الختان في الحديث بقص الشارب وغيره وليس ذلك واجباً.
وبحديث ابن عباس مرفوعاً: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ»(9).
القول الثاني: ذهب الإمام أحمد في رواية اختارها ابن قدامة إلى أن الختان واجب في حق الرجال دون النساء.
قال في المغني: قال الإمام أحمد: الرجل أشد، وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة ولا يُنَقَّى مَا ثَمَّ والمرأة أهون. قال أبو عبد الله: وكان ابن عباس يشدد في أمره وروي عنه أنه لا حج ولا صلاة، يعني إذا لم يختتن(10).
القول الثالث: ذهب الشافعية والحنابلة في المذهب وهو قول سحنون وابن العربي من المالكية وحكي هذا القول عن أبي حنيفة ومالك أن الختان واجب على الرجال والنساء جميعاً(11).
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1ـ أن الختان من ملة إبراهيم عليه السلام: وقد اختتن إبراهيم عليه السلام، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وهو بن ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ»(12).
وقد قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾ [النحل: 123] والختان من ملته.
قال الإمام النووي رحمه الله: فإن قيل: لا دلالة في الآية على وجوب الختان لأنا أمرنا بالتدين بدينه فما فعله معتقداً وجوبه فعلناه معتقدين وجوبه.
وما فعله ندباً فعلناه ندباً، ولم نعلم أنه كان يعتقده واجباً.
فالجواب: أن الآية صريحة في اتباعه فيما فعله وهذا يقتضي إيجاب كل فعل فعله، إلا ما قام الدليل على أنه سنة في حقنا كالسواك ونحوه، وقد نقل الخطابي أن خصال الفطرة كانت واجبة على إبراهيم عليه السلام(13).
2ـ جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: قد أسلمت، قال: «أَلْقِ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ»(14) وَحمْلُه على الندب في إلقاء الشعر لا يلزم منه حمله عليه في الآخر(15).
3ـ ما قاله ابن القيم رحمه الله: أن الختان من أظهر الشعائر التي يفرق بها بين المسلم والنصراني فوجوبه أظهر من وجوب الوتر، وزكاة الخيل ووجوب الوضوء على من قهقه في صلاته، ووجوب الوضوء على من احتجم أو تقيأ أو رعف، ووجوب التيمم إلى المرفقين ووجوب الضربتين على الأرض وغير ذلك، أما وجوب الختان أظهر من وجوبه وأقوى، حتى إن المسلمين لا يكادون يعدون الأقلف منهم، ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء إلى أن الكبير يجب عليه أن يختتن ولو أدى إلى تلفه(16).
4ـ ولأنه لو لم يكن واجباً لما كشفت له العورة، لأن كشف العورة محرم فلما كشفت له العورة دل على وجوبه(17).
5 ـ وأنه لا يستغني فيه عن ترك واجبين وارتكاب محظورين.
أحدهما: كشف العورة في جانب المختون. والنظر إلى عورة الأجنبي في جانب الخاتن.
فلو لم يكن واجباً لما كان قد ترك له واجبان وارتكب محظوران(18).
6ـ أنه وإن كان مذكوراً في جملة السنن، فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب، وذلك أنه شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر، وإذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين(19).
وأيضاً فلا مانع من جمع مختلفي الحكم بلفظ أمر واحد كما في قوله تعالى: ﴿كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141] فإيتاء الواجب حق والأكل مباح(20).
7ـ أن الولي يؤلم فيه الصبي ويعرضه للتلف بالسراية، ويخرج من ماله أجرة الخاتن وثمن الدواء، ولا يضمن سرايته بالتلف ولو لم يكن واجباً لما جاز ذلك، فإنه لا يجوز إضاعة ماله وإيلامه الألم البالغ وتعريضه للتلف بفعل ما لا يجب فعله(21).
8ـ أنه لو لم يكن واجباً لما جاز للخاتن الإقدام عليه وإن أذن فيه المختون أو وليه، فإنه لا يجوز له الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله بقطعه، ولا أوجب قطعه كما لو أذن له في قطع أذنه أو إصبعه فإنه لا يجوز له ذلك ولا يسقط الإثم عنه بالإذن وفي سقوط الضمان عنه نزاع(22).
9ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إن كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة. ولهذا يقال في المشاتمة: يا ابن القلفاء -أي يا ابن التي لم تختتن- فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين(23).
10- قال ابن القيم رحمه الله: هذا مع ما في الختان من الطهارة والنظافة وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة الذي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوان، وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات فالختان يعدلها، ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النساء لا يشبع من الجماع.
ولهذا يذم الرجل ويشتم ويعير بأنه ابن القلفاء إشارة إلى غلمتها، وأي زينة أحسن من أخذ ما طال وجاوز الحد من جلدة القلفة وشعر العانة وشعر الإبط وشعر الشارب وما طال من الظفر، فإن الشيطان يختبئ تحت ذلك كله ويألفه ويقطن فيها، حتى أنه ينفخ في إحليل الأقلف وفرج القلفاء ما لا ينفخ في المختون ويختبئ في شعر العانة وتحت الأظفار، فالغرلة -الجزء الزائد من الجلد الذي يقطع- أقبح في موضعها من الظفر الطويل، والشارب الطويل والعانة الفاحشة الطول، ولا يخفى على ذي الحس السليم قبح الغرلة وما في إزالتها من التحسين والتنظيف والتزين، ولهذا لما ابتلى الله خليله إبراهيم بإزالة هذه الأمور فأتمهن، جعله إماماً للناس، هذا مع ما فيه من بهاء الوجه وضيائه وتركه من الكسفة التي ترى عليه.
وروى أبو داود عن أم عطية رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ أمر خاتنة تختن فقال: «إذا ختنتي فلَا تُنْهِكِي، فإن ذلك أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبُّ إلى الْبَعْلِ»(24).
ومعنى هذا أن الخافضة إذا استأصلت جلدة الختان ضعفت شهوة المرأة فقلت حظوتها عند زوجها، كما أنها إذا تركتها كما هي لم تأخذ منها شيئًا ازدادت غلمتها، فإذا أخذت منها وأبقت كان ذلك تعديلاً للخلقة والشهوة، هذا مع أنه لا ينكر أن يكون قطع هذه الجلدة علماً على العبودية، فإنك تجد قطع طرف الأذن وكي الجبهة ونحو ذلك في كثير من الرقيق علامة لرقهم وعبوديتهم، حتى إذا أبق رد إلى مالكه بتلك العلامة، فما ينكر أن يكون قطع هذا الطرف علماً على عبودية صاحبه لله سبحانه، حتى يعرف الناس أن من كان كذلك فهو من عبيد الله الحنفاء فيكون الختان علماً هذه السنة التي لا أشرف منها مع ما فيه من الطهارة والنظافة والزينة وتعديل الشهوة(25).
وقد أجابوا عن أدلة المسقطين لوجوبه بما يلي:
1ـ أما دليلهم الأول وهو حديث ابن عباس: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ»(26).
قال ابن القيم رحمه الله: فهذا حديث يروى عن ابن عباس بإسناد ضعيف والصحيح أنه موقوف عليه، ويروى أيضاً عن الحجاج بن أرطاة وهو مما لا يحتج به عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه عنه وعن مكحول عن أبي أيوب عن النبي ﷺ فذكره، ذكر ذلك كله البيهقي ثم ساق عن ابن عباس أنه لا تؤكل ذبيحة الأقلف، ولا تقبل صلاته، ولا تجوز شهادته ثم قال: وهذا يدل على أنه كان يوجبه.
وإن قوله: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ» أراد به سنة النبي ﷺ وأن رسول الله ﷺ سنه وأمر به فيكون واجبا انتهى.
والسنة هي الطريقة يقال: سننت له كذا، أي شرعت، فقوله: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ» أي مشروع لهم، لا أنه ندب غير واجب، فالسنة هي الطريقة المتبعة وجوبا ًواستحباباً؛ لقوله ﷺ: «مَنْ رَغِبَ عن سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وقوله: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ من بَعْدِي» وقال ابن عباس رضي الله عنه: «مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ».
وتخصيص السنة بما يجوز تركه اصطلاح حادث، وإلا فالسنة ما سَنَّهُ رسولُ الله ﷺ لأمته من واجب ومستحب، فالسنة هي الطريقة، وهي المنهاج والسبيل(27).
2ـ أما قولكم إن رسول الله ﷺ قرنه بالمسنونات، فدلالة الاقتران لا تقوى على معارضة أدلة الوجوب، ثم إن الخصال المذكورة منها ما هو واجب كالمضمضة والاستنشاق والاستنجاء، ومنها ما هو مستحب كالسواك(28).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب والمصباح المنير مادة (ختن) والمطلع على أبواب المقنع (28).
(2)مراتب الإجماع ص(157).
(3)الإفصاح (1/342).
(4)فتح الباري في شرح صحيح البخاري(1/372).
(5) البحر الرائق (8/554) ومجمع الأنهر (4/490) وحاشية ابن عابدين على الدر المختار (6/751) والاختيار(4/178) وتبين الحقائق (6/226) والذخيرة (4/667) وحاشية العدوي (2/444) والقوانين الفقهية (1/129) والتاج والإكليل (3/258) والثمر الداني (1/410/682) والكافي (1/612) والمجموع (2/314) والإنصاف (1/123/124) والإفصاح (1/342) والفتح (10/353) وتحفة المودود (110/111) والمغني(1/107).
(6) المصادر السابقة.
(7) الإفصاح (1/342).
(8) صحيح: تقدم.
(9) رواه الإمام أحمد في المسند (5/75) والبيهقي في الكبرى (8/324، 325) وضعفه، وضعفه أيضاً الحافظ في الفتح (1./353) والألباني في ضعيف الجامع (2938).
(10) المغني (1/101) والإنصاف (1/124).
(11) المجموع (2/314) والتنبيه (1/14) ومختصر خلافيات البيهقي (5/33) والروضة (10/180) والإفصاح (1/342) والقوانين الفقهية (1/129) وأحكام القرآن لابن العربي (1/56) وطرح التثريب (2/71/72) وفتح الباري (10/352/ 353) وتحفة المودود(110/111).
(12) البخاري (3178) ومسلم (2370).
(13) المجموع (2/313).
(14) رواه أبو داود (356) والبيهقي (1/172) وحسنه الألباني بشواهده انظر الإرواء (1/79) وصحيح الجامع (851/1251) وقد ضعفه النووي والشوكاني وابن المنذر والحافظ في الفتح(10/354).
(15) تحفة المودود(111).
(16) تحفة المودود (112).
(17) قاله الشيرازي انظر المجموع (2/313).
(18) تحفة المودود (113).
(19) تحفة المودود (113).
(20) فتح الباري (10/ 353)
(21) تحفة المودود (113) وقد بينت في كتابي الجامع لأحكام الكفالة والضمانات مسألة الضمان هذه في ضمان الختان في باب الإجارة وباب الجنايات.
(22) انظر السابق.
(23) مجموع الفتاوى(21/114).
(24) صحيح بشواهده انظر الصحيحة(722)
(25) تحفة المودود (127/128).
(26) رواه الإمام أحمد في المسند (5/75) والبيهقي في الكبرى (8/324، 325) وضعفه، وضعفه أيضاً الحافظ في الفتح (1. /353) والألباني في ضعيف الجامع(2938).
(27) تحفة المودود (119).
(28) تحفة المودود (119).
الفتوى بصيغة فيديو