حكم استعمال الماء المسخن بالشمس
الفتوى رقم (9)
حكم استعمال الماء المسخن بالشمس
السؤال:
ما حكم استعمال الماء المسخن بالشمس للوضوء والغسل في البلاد الحارة كبلاد الجزيرة العربية؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلّى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
اختلف أهل العلم في حكم استعمال الماء المسخن بالشمس على قولين :
القوال الأول: جواز استعماله مطلقًا من غير كراهة وهو الصحيح من أقوال أهل العلم، سواء كان هذا الاستعمال في البدن أم في الثوب وبهذا قال الحنابلة وجمهور الحنفية وهو قول لبعض فقهاء المالكية كابن شعبان وابن الحاجب وابن عبد الحكم وبعض الشافعية كالنووي والروياني(1).
القول الثاني: كراهة استعماله وذهب إليه المالكية في المعتمد عندهم والشافعية في المذهب وبعض الحنفية.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ويكره شرعًا تنزيهًا الماء المشمس أي ما سخنته الشمس، أي يكره استعماله في البدن في الطهارة وغيرها كأكل وشرب؛ لما روى الشافعي عن عمر رضي الله عنه أنه: «كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال: يورث البرص» لكن بشرط أن يكون ببلاد حارة أي: تقلبه الشمس عن حالته إلى حالة أخرى، كما نقله في البحر عن الأصحاب في آنية منطبعة غير النقدين وهي كل ما طرق كالنحاس ونحوه، وأن يستعمل في حال حرارته؛ لأن الشمس بحدتها تفصل منه زهومة تعلو الماء، فإذا لاقت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فيحتبس الدم فيحصل البرص(2).
وقال الدردير رحمه الله: يكره الماء المشمس أي المسخن أي بالشمس في الأقطار الحارة كأرض الحجاز لا في نحو مصر والروم وقيد بعضهم الكراهة أيضًا بالمشمس في الأواني والنحاس ونحوها لا الفخار وقيل: لا يكره مطلقًا(3).
وعقب الإمام الدسوقي رحمه الله على قول الدردير في الشرح الكبير والمعتمد الكراهة بقوله: وهو ما نقله ابن الفرات عن مالك واقتصر عليه جماعة من أهل المذهب لكن هذه الكراهة طبية لا شرعية؛ لأن حرارة الشمس لا تمنع من إكمال الوضوء أو الغسل، بخلاف ما لو كانت كراهته لشدة حرارته فإنها شرعية، والفرق بين الكراهتين أن الشرعية يثاب تاركها بخلاف الطبية(4).
وقال ابن عابدين في حاشيته: قدمنا في باب مندوبات الوضوء عن الإمراد أن منه أن لا يكون بماء مشمس وبه صرح في الحلية مستدلاً بما صح عن عمر من النهي عنه، ولذا صرح في الفتح بكراهته، ومثله في البحر.
وقال في معارج الدراية وفي القنية: وتكره الطهارة بالمشمس، لقوله ﷺ لعائشة رضي الله عنها حين سخنت الماء بالشمس: «لَا تَفْعَلِي يا حُمَيْرَاءُ، فإنه يُورِثُ الْبَرَصَ».
وفي الغاية: يكره بالمشمس في قطر حار في أواني منطبعة(5).
قال الإمام النووي رحمه الله معلقًا على هذين الحديثين:
أما حديث عائشة فضعيف باتفاق المحَدِّثين وقد رواه البيهقي من طُرق وبين ضعفها كلها، ومنهم من يجعله موضوعًا، وقد رواه الشافعي في «الأم» بإسناده عن عمر بن الخطاب، وقال: إنه يورث البرص، وهذا ضعيف أيضًا باتفاق المحدثين…
فحصل من هذا: أن المشمس لا أصل لكراهته، ولم يثبت عن الأطباء فيه شيء، فالصواب: الجزم بأنه لا كراهة فيه…وهو الصواب الموافق للدليل ولنص الشافعي، فإنه قال في «الأم»: لا أكره المشمس إلا أن يكون من جهة الطب، كذا رأيته في الأم(6).
وكذا نقله البيهقي بإسناده في كتابه «معرفة السنن والآثار» عن الشافعي(7).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المغني (1/41) وحاشية الدسوقي (1/73) والشرح الصغير بهاش بلغة السالك (1/28) ومواهب الجليل (1/78) وحاشية ابن عابدين (1/324) والمجموع (2/30).
(2) مغني المحتاج (1/79/80) وينظر: كفاية الأخيار (53).
(3) الشرح الصغير بهامش بلغة السالك (1/28).
(4) حاشية الدسوقي (1/73/74).
(5) حاشية ابن عابدين (1/324/32).
(6) الأم (1/3).
(7) المجموع (2/27/29) وروضة الطالبين (1/142).
رابط الفتوى بصيغة فيديو :