حكم التكلم بذكر أو بغيره عند قضاء الحاجة
رقم الفتوى (31)
حكم التكلم بذكر أو بغيره عند قضاء الحاجة
السؤال: ما حكم قراءة القرآن أو التكلم ببعض الأذكار عند قضاء الحاجة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أما قراءة القرآن عند قضاء الحاجة فللعلماء فيها قولان:
الأول: أنها حرام، وهو المذهب عند الحنابلة وقول للمالكية.
والثاني: أنها مكروهة، وهو مذهب الشافعية وقول للحنابلة قال به المجد وغيره.
قال الجمل في حاشيته: إن الكلام مكروه ولو بالقرآن، خلافاً لِلأْذْرَعِيِّ حيث قال بتحريمه (1).
أما ما عدا القرآن: فقد نص فقهاء المذاهب الأربعة على كراهية التكلم في أثناء قضاء الحاجة بذكر أو بغيره.
قال الخرشي: إنما طلب السكوت لأن ذلك المحل مما يجب ستره وإخفاؤه والمحادثة تقتضي عدم ذلك.
واحتجوا على ذلك بقول النبي ﷺ: «لَا يَخْرُجْ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عن عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ؛ فإن الله عز وجل يَمْقُتُ على ذلك»(2).
وما رواه المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال: «أَنَّهُ أتى النبي ﷺ وهو يَبُولُ فَسَلَّمَ عليه فلم يَرُدَّ عليه حتى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إليه فقال: إني كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ الله عز وجل إلا على طُهْرٍ أو قال على طَهَارَةٍ»(3).
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ الله ﷺ يَبُولُ فَسَلَّمَ فلم يَرُدَّ عليه»(4).
ومن الأذكار التي نصوا عليها: أنه لا يحمد الله تعالى إن عَطَسَ، ولا يشمت عاطسًا، ولا يجيب المؤذن، ولا يرد السلام ولا يسبح، لكن قال البغوي من الشافعية ونقله عن الشعبي والحسن والنخعي وابن المبارك: إن عَطَسَ حمد الله في نفسه.
وقال البجيرمي رحمه الله: فلو عطس حمد الله بقلبه ويثاب عليه، وليس لنا ذكر يثاب عليه من غير لفظ إلا هذا.
وقال في الإنصاف: وأما حمد العاطس وإجابة المؤذن فيحمد ويجيب بقلبه ويكره بلفظه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب، وعنه يكره، قال الشيخ تقي الدين: يجيب المؤذن في الخلاء.
وأما رد السلام فيكره بلا خلاف في المذهب نص عليه الإمام(5).
وقد صرح الحنفية بأن الكراهة في حال قضاء الحاجة، سواء كانت بولاً أو غائطًا، وأنه يكره التكلم كذلك في موضع الخلاء ولو في حال غير قضاء الحاجة(6).
وقال كنون في حاشيته: روى عياض جواز ذكر الله في الكنيف. قال القاضي: وهو قول مالك والنخعي وعبد الله بن عمرو بن العاص وقال ابن القاسم: إذا عطس وهو يبول فليحمد الله.
وقال ابن رشد رحمه الله: والدليل لابن القاسم من جهة الأثر: «أن رسول الله ﷺ كان يَذْكُرُ اللهَ على كل أَحْيَانِهِ»(7) ومن طريق النظر: أنَّ ذِكْرَ اللهِ يصعدُ إلى السماء فلا يتعلق به من دناءة المحل شيء، فلا ينبغي أن يمتنع عن ذكر الله على كل حال إلا بنص ليس فيه احتمال(8).
وقد صرح المالكية والشافعية والحنابلة استثناء حالة الضرورة من كراهة الكلام.
قال النووي رحمه الله: كأن رأي ضريرًا يقع في بئر، أو رأى حية أو غيرها تقصد إنسًا أو غيره من المحرمات، فلا كراهة في الكلام في هذه المواضع بل يجب في أكثرها.
قال القليوبي: يجب للضرورة ويندب للحاجة (9).
لكن هل من الكلام النحنحة عند طرق الباب:
قال الشبرامسلي من الشافعية: هل من الكلام ما يأتي به قضاء الحاجة من التنحنح عند طرق باب الخلاء من الغير ليعلم هل فيه أحد أم لا؟ فيه نظر، والأقرب أن مثل هذا لا يسمى كلامًا، وبتقديره فهو للحاجة، وهي دفع دخول من يطرق الباب عليه لظنه خلو المحل.
وقال ابن عابدين من الحنفية: ولا يتنحنح في موضع الخلاء إلا لعذر كما لو خاف دخول أحد عليه(10).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حاشية الدسوقي (1/171/172) وبلغة السالك (1/63/64) والخرشي (1/144) وحاشية الجمل (1/87) وحاشية البجيرمي (1/56) وكشاف القناع (1/63) والإنصاف(1/95).
(2) رواه أبو داود (15) وأحمد في المسند (3/36) وابن خزيمة في صحيحه (1/39) والحاكم في المستدرك (1/260) وصححه وأقره الذهبي والبيهقي في الكبرى (1//99) وحسنه النووي في المجموع (2/106) وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود(14).
(3) رواه أبو داود (17) وأحمد في المسند (4/345) وابن خزيمة في صحيحه (1/103) وابن حبان في صحيحه (3/82) والحاكم في المستدرك (1/272، 3/545) وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وصححه النووي في المجموع (2/107) وقال الألباني في صحيح أبي داود(13): صحيح.
(4) رواه مسلم(370).
(5) الإنصاف(1/95).
(6) حاشية ابن عابدين (1/344) والمهذب(1/50).
(7) رواه مسلم(373).
(8) حاشية كنون بهامش الرهوني (1/153) والنص بأكمله في التاج والإكليل(1/270).
(9) المجموع (2/106/107) وشرح مسلم (3/58) والمهذب (1//344) وكفاية الأخيار (74/75) والقليوبي (1/41) وإعانة الطالبين (1/109) وحاشية الدسوقي (1/171/172) وبلغة السالك (1/63/64) وكشاف القناع (2/137) والأدب الشرعي (1/378) والمغني(1/212).
(10) حاشية ابن عابدين (1/344) وحاشية الشبرامسلي على النهاية (1/126) وحاشية الجمل (1/87) وإعانة الطالبين(1/109).
الفتوى بصيغة الفيديو