ما الذي يجوز به التيمم؟
الفتوى رقم(163)
ما الذي يجوز به التيمم؟
السؤال:
ما الذي يجوز التيمم به والذي لا يجوز التيمم به؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أولاً: ما يجوز به التيمم:
اتفق الفقهاء على جواز التيمم بالصعيد الطاهر؛ لقوله تعالى:﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾[المائدة:6].
ثم إن الفقهاء اختلفوا ما المقصود بالصعيد الطيب نفسه؟
والصحيح أن الصعيد هو وجه الأرض، فيجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، فيجوز التيمم بالتراب وهو الأفضل والرمل والحصى والجص الذي لم يحرق بالنار، فإن أحرق أو طبخ لم يجز التيمم به، وهو مذهب المالكية وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني.
إلا أن الإمام أبا حنيفة قال: يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، التزق بيده شيء أو لا؛ لأن المأمور به هو التيمم بالصعيد مطلقاً من غير شرط التزاق، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل.
وقال محمد: لا يجوز إلا إذا التزق بيده شيء من أجزائه.
فعلى قول أبي حنيفة يجوز التيمم بالحصى والنورة والزرنيخ والطين الأحمر والأسود والأبيض والكحل والحجر الأملس والحائط المطين والمجصص والملح الجبلي دون المائي والآجر والخزف المتخذ من طين خالص والأرض الندية والطين الرطب، ويجوز التيمم عندهما -وهو أيضاً قول الإمام أحمد كما سيأتي- بالغبار بأن ضرب يده على ثوب أو لبد أو صفة سرج فارتفع غبار أو كان على الحديد أو على الحنطة أو الشعير أو نحوهما فإن تيمم به أجزأه في قولهما؛ لأن الغبار وإن كان لطيفاً فإنه جزء من أجزاء الأرض فيجوز التيمم به.
و يجوز التيمم بالمعادن ما دامت في مواضعها ولم تنقل من محلها إذا لم تكن من أحد النقدين -الذهب والفضة- أو من الجواهر كاللؤلؤ، فلا يتيمم على المعادن من شب وملح وحديد ورصاص إن نقلت من محلها على تفصيل عندهم في ذلك.
وما لم يكن من جنس الأرض فلا يجوز التيمم به اتفاقاً عند الحنفية، كالمحترق بالنار فيصير رماداً كالحطب والحشيش ونحوهما، أو ما ينطبع ويلين كالحديد والصفر والنحاس والزجاج ونحوها، فليس من جنس الأرض فلا يجوز التيمم به.
كما لا يجوز التيمم بالرماد؛ لأنه من أجزاء الحطب فليس من أجزاء الأرض(1).
وذهب الشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ذي غبار يعلق باليد غير محترق؛ لقوله تعالى:﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ﴾[المائدة:6]، وهذا يقتضي أن يمسح بشيء منه، وقوله ﷺ:«جعل التراب لي طهوراً» وقولهﷺ:«جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا»، فخص ترابها بكونه طهوراً، ولأن الطهارة اختصت بأعم المائعات وجوداً وهو الماء، فتختص بأعم الجمادات وجوداً وهو التراب.
فإن كان جريشاً أو ندياً لا يرتفع له غبار لم يكف؛ لأن الصعيد الطيب هو التراب المنبت، وأضاف الشافعية إلى التراب الرمل الذي فيه غبار، وعن أبي يوسف وأحمد روايتان بالجواز وعدمه(2).
ولا يجوز عندهم بتراب مختلط بدقيق ونحوه كزعفران وجص؛ لمنعه وصول التراب إلى العضو، وهذا فيما يعلق باليد، وأما ما لا يعلق باليد فلا يمنع عند الحنابلة؛ فإن الإمام أحمد نص على أنه يجوز التيمم من الشعير؛ وذلك لأنه لا يحصل على اليد منه ما يحول بين الغبار وبينها، ولا يجوز عندهم (الشافعية والحنابلة وأبي يوسف) التيمم بطين رطب؛ لأنه ليس بتراب، ولا بتراب نجس كالوضوء، وهذا باتفاق العلماء؛ لقوله تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾(3).
وقال الإمام ابن رشد رحمه الله: اتفقوا على جوازها بتراب الحرث الطيب، واختلفوا في جواز فعلها بما عدا التراب من أجزاء الأرض المتولدة عنها كالحجارة.
فذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بالتراب الخالص.
وذهب مالك وأصحابه إلى أنه يجوز التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض من أجزائها في المشهور عنه، الحصا والرمل والتراب، وزاد أبو حنيفة فقال: وبكل ما يتولد من الأرض من الحجارة مثل النورة والزرنيخ والجص والطين والرخام.
ومنهم من شرط أن يكون التراب على وجه الأرض وهم الجمهور.
وقال أحمد بن حنبل: يتيمم بغبار الثوب واللبد.
والسبب في اختلافهم شيئان:
أحدهما: اشتراك اسم الصعيد في لسان العرب، فإنه مرة يطلق على التراب الخالص، ومرة يطلق على جميع أجزاء الأرض الظاهرة، حتى أن مالكًا وأصحابه حملهم دلالة اشتقاق هذا الاسم -أعني الصعيد- أن يجيزوا في إحدى الروايات عنهم التيمم على الحشيش وعلى الثلج، قالوا: لأنه يسمى صعيدًا في أصل التسمية -أعني من جهة صعوده على الأرض-، وهذا ضعيف.
والسبب الثاني: إطلاق اسم الأرض في جواز التيمم بها في بعض روايات الحديث المشهور، وتقييدها بالتراب في بعضها، وهو قوله عليه الصلاة والسلام «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، فإن في بعض رواياته: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، وَفِي بَعْضِهَا: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ لِي تُرْبَتُهَا طَهُورًا».
وقد اختلف أهل الكلام الفقهي، هل يقضى بالمطلق على المقيد أو بالمقيد على المطلق؟
والمشهور عندهم أن يقضى بالمقيد على المطلق، وفيه نظر، ومذهب أبي محمد بن حزم أن يقضى بالمطلق على المقيد؛ لأن المطلق فيه زيادة معنى، فمن كان رأيه القضاء بالمقيد على المطلق وحمل اسم الصعيد الطيب على التراب لم يجز التيمم إلا بالتراب، ومن قضى بالمطلق على المقيد وحمل اسم الصعيد على كل ما على وجه الأرض من أجزائها أجاز التيمم بالرمل والحصى.
وأما إجازة التيمم بما يتولد منها فضعيف؛ إذ كان لا يتناوله اسم الصعيد، فإن أعم دلالة اسم الصعيد أن يدل على ما تدل عليه الأرض، لا أن يدل على الزرنيخ والنورة ولا على الثلج والحشيش، والله الموفق للصواب، والاشتراك الذي في اسم الطيب أيضًا من أحد دواعي الخلاف(4).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدائع الصنائع(1/196/197) ورد المحتار(1/405/407) والطحطاوي(64).
رد المحتار(1/405/407) والبدائع(1/196/197) والطحطاوي(64) والشرح الصغير(1/134/135) والدسوقي(1/155) ومغني المحتاج(1/96) والبجيرمي على الخطيب(1/252) والجمل(1/202/204) وكفاية الأخيار(97/98) والمغني(1/318/323) وكشاف القناع(1/165) وشرح مسلم(4/53) ومواهب الجليل (1/350) والإفصاح(1/88/89) والاستذكار(1/308).
المصادر السابقة.
بداية المجتهد(1/51، 52).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/gvD0yKgSIVw