ما الذي ينويه من أراد التيمم؟
الفتوى رقم(151)
ما الذي ينويه من أراد التيمم؟
السؤال:
ما الذي ينويه من أراد التيمم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
من أراد التيمم فإنه ينوي استباحة الصلاة ونحوها مما تفتقر استباحته إلى طهارة، كطواف وحمل مصحف وسجود تلاوة، ولو تيمم بنية استباحة الصلاة ظاناً أن حدثه أصغر فكان أكبر أو عكسه صح قطعاً؛ لأن موجبهما واحد.
وإليك التفصيل في المسألة بين المذاهب:
قال الحنفية: يشترط لصحة نية التيمم الذي تصح به الصلاة أن ينوي أحد أمور ثلاثة:
1- إما نية الطهارة من الحدث.
2- أو استباحة الصلاة.
3- أو نية عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة، كالصلاة أو سجدة التلاوة أو صلاة الجنازة عند فقد الماء.
وأما عند وجوده إذا خاف فوتها فإنها تجوز به الصلاة على جنازة أخرى إذا لم يكن بينهما فاصل.
فإن نوى التيمم فقط من غير ملاحظة استباحة الصلاة، أو رفع الحدث القائم به لم تصح الصلاة بهذا التيمم، كما إذا نوى ما ليس بعبادة أصلاً كدخول المسجد ومس المصحف أو نوى عبادة غير مقصودة لذاتها كالأذان والإقامة، أو نوى عبادة مقصودة تصح بدون طهارة كالتيمم لقراءة القرآن أو للسلام أو رده من المحدث حدثاً أصغر، فإن تيمم الجنب لقراءة القرآن صح له أن يصلي به سائر الصلوات.
وأما تعين الحدث أو الجنابة فلا يشترط ويصح التيمم بإطلاق النية، فلو تيمم ونوى مطلق الطهارة أو نوى استباحة الصلاة فله أن يفعل كل ما لا يجوز بدون الطهارة، كصلاة الجنازة وسجدة التلاوة ومس المصحف ونحوها؛ لأنه لما أبيح له أداء الصلاة أبيح له ما دونها أو ما هو جزء من أجزائها من باب أولى.
ويشترط عندهم لصحة النية: الإسلام والتمييز والعلم بما ينوي ليعرف حقيقة المنوي(1).
وعند المالكية: ينوي بالتيمم أحد شيئين:
1- استباحة الصلاة.
2- أو استباحة ما منعه الحدث أو فرض التيمم.
ويجب عليه أن يلاحظ في النية الحدث الأكبر إن كان عليه أكبر، بل ينوي استباحة الصلاة من الحدث الأكبر، فإن لم يلاحظ بأن نسيه أو لم يعتقد أنه عليه لم يجزئه وأعاد تيممه أبداً، هذا إذا نوى استباحة الصلاة أو استباحة ما منعه الحدث، فإن نوى فرض التيمم فيجزئه عن الأصغر والأكبر إن لم يلاحظه، ونية الأكبر مع الأصغر مندوبة، فلو اقتصر على نية الأكبر أجزأه عن الأصغر، ولو اعتقد أن عليه الأكبر فنواه ثم تبين له خلافه أجزأه أيضاً، ولا ينوي رفع الحدث؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث.
ولا يجوز أن يصلي فرضاً بتيمم نواه لغيره، ويندب تعيين الصلاة من فرض أو نفل أو هما(2).
وذهب الشافعية إلى أنه ينوي استباحة الصلاة ونحوها مما تفتقر استباحته إلى طهارة، كطواف وحمل مصحف وسجود تلاوة، ولو تيمم بنية استباحة الصلاة ظاناً أن حدثه أصغر فكان أكبر أو عكسه صح قطعاً؛ لأن موجبهما واحد، ولو تعمد ذلك لم يصح في الأصح لتلاعبه.
ولو أجنب في سفره ونسي وكان يتيمم وقتاً ويتوضأ وقتاً أعاد صلوات الوضوء فقط.
ولا تكفي نية رفع الحدث الأصغر أو الأكبر أو الطهارة عن أحدهما؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث؛ لبطلانه بزوال مقتضيه بدليل قوله ﷺ لعمرو بن العاص لما أصابته جنابة فتيمم وصلى بأصحابه فقال له عليه الصلاة والسلام: «صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟»(3).
ولو نوى فرض التيمم أو فرض الطهر أو التيمم المفروض أو الطهارة عن الحدث فوجهان: أحدهما: يكفي كالوضوء. وأصحهما:لا يكفي، والفرق أن الوضوء قربة مقصودة في نفسها، ولهذا يندب تجديده، بخلاف التيمم، فإنه لا يندب تجديده ولو اقتصر على نية التيمم لم يجزئه، قاله الماوردي(4).
وقال الحنابلة: ينوي استباحة ما لا يباح إلا به، ويجب تعين النية لما تيمم له، كصلاة أو طواف أو مس مصحف، من حدث أصغر أو أكبر أو نجاسة على بدنه؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يبيح الصلاة، فلا بد من تعيين ما يتيمم له من الحدث الموجب للغسل أو الوضوء أو النجاسة تقوية لضعفه، وصفة التعيين أن ينوي استباحة صلاة الظهر مثلاً من الجنابة إن كان جنباً، أو من الحدث إن كان محدثاً، أو منهما إن كان جنباً محدثاً، فإن تيمم للحدث ونسي الجنابة أو للجنابة ونسي الحدث لم يجزئه؛ لقوله ﷺ: «وَإنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، ولأن ذلك لا يجزئ في الماء وهو الأصل، ففي البدل أولى(5).
المفتي:الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البدائع(1/193/194) والعناية(1/199) واللباب(1/37).
(2)شرح مختصر خليل(1/190) والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي(1/154) وحاشية الصاوي الشرح الصغير(1/132/133).
(3)رواه أبو داود(334) والحاكم(1/285) والدارقطني(1/178) والبيهقي في الكبرى(1/225) وأحمد(4/23) وصححه الألباني في صحيح أبي داود(223).
(4)روضة الطالبين(1/11/111) ومغني المحتاج(1/97/98/278) وكفاية الأخيار(99).
(5)الكافي(1/64) وكشاف القناع(1/174) والمغني(1/326).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/R0b2BQbdzfA