ما القدر المجزئ من مسح الرأس في الوضوء
الفتوى رقم (72)
ما القدر المجزئ من مسح الرأس في الوضوء
السؤال:
هل يجب في الوضوء استيعاب جميع الرأس بالمسح؟ أم أنه يكفي أن أمسح بعض شعر الرأس؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
لا خلاف بين الفقهاء على أن مسح الرأس في الوضوء ركن من أركانه وفرض من فروضه؛ لقوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: 6]، وللأحاديث الواردة في هذا وخاصة حديث عثمان رضي الله عنه في وضوء النبي ﷺ وفيه: «ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ»، ولإجماع الفقهاء على ذلك(1).
إلا أن الفقهاء اختلفوا في القدر المجزئ في مسح الرأس في الوضوء على أقوال:
القول الأول: ذهب الإمام مالك وأحمد في رواية إلى وجوب مسح جميع الرأس. وعن الإمام أحمد أنه يجزئ مسح بعضه، قال أبو الحارث: قلت لأحمد: فإن مَسَحَ برأسه وترك بعضه؟ قال: يجزئه، ثم قال: ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله؟
قال ابن قدامة رحمه الله: إلا أن الظاهر عن أحمد رحمه الله في حق الرجل وجوب الاستيعاب، وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها.
قال الخلال: العمل في مذهب أحمد أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها.
وقال مهنا: قال أحمد: أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل.
قلت له: ولمَ؟ قال: كانت عائشة تمسح مقدم رأسها(2).
القول الثاني: أنه يجب مسح بعض الرأس وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية وبعض أصحاب مالك، وهذا القول هو الصحيح.
إلا أن أصحاب هذا القول اختلفوا في مقدار هذا الفرض:
فذهب الحنفية في أشهر الروايات عنهم إلى أن المقدار المفروض هو ربع الرأس، وهو المعتمد في المذهب.
والرواية الثانية: أنه مقدار الناصية، والثالثة: أنها مقدار ثلاثة أصابع رواها هشام عن الإمام، وقيل: هي ظاهر الرواية وصححها في التحفة وغيرها وفي الظهرية وعليها الفتوى.
قال ابن عابدين رحمه الله: والحاصل أن المعتمد رواية الربع وعليها مشى المتأخرون.
واختلف أصحاب مالك في حد هذا البعض:
قال أشهب: يكفي مسح النصف وروي عنه أنَّ مسحَ الناصيةِ مجزئٌ.
وقال محمد بن مسلمة: يجزئ مسحُ الثلثين.
وقال أبو الفرج: يجزئ مسحُ الثلث.
وأما الشافعية فقالوا: إن الواجب أن يمسح ما يقع عليه اسم المسح ولو قل فلا يتقدر وجوبه بشيء بل يكفي فيه ما يمكن.
واحتج من قال بمسح بعض الرأس بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي ﷺ: «تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ»(3).
قال النووي رحمه الله: هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي ولا يشترط الجميع؛ لأنه لو وجب الجميع لما اكتفى بالعمامة على الباقي، فإن الجمع بين الأصل والبدل في عضو واحد لا يجوز، كما لو مسح على خف واحد وغسل الرجل الأخرى(4).
قال الشيخ أحمد الصاوي المالكي رحمه الله: [تنبيه] ينفع النساء في الوضوء تقليد الشافعي أو أبي حنيفة، وفي الغسل تقليد أبي حنيفة؛ لأنه يكتفي في الغسل بوصول الماء للبشرة وإن لم يعم المسترخي من الشعر، بل ولو كان المسترخي جافاً عنده كما ذكره في الدر المختار(5).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رد المحتار(1/213) والبدائع(1/21) وحاشية الدسوقي(1/143) وروضة الطالبين(1/199) ومغني المحتاج(1/159) وكفاية الأخيار(65) والمغني(1/156) ومنار السبيل(1/33).
(2) أخرجه النسائي(1/72) وصحح إسناده الألباني.
(3) رواه مسلم(274).
(4) شرح مسلم(3/142) ورد المحتار(1/213) والبدائع(1/21) وحاشية الدسوقي(1/143) وبداية المجتهد(1/32) والاستذكار(1/130، 132) ومواهب الجليل(1/202) وروضة الطالبين(1/199) ومغني المحتاج(1/159) وكفاية الأخيار(65) وأسنى المطالب(1/33) والمغني(1/156، 157).
(5) حاشية الصاوي على الشرح الصغير(1/76).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/5KIWvTqvUm4