ما حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل؟
الفتوى رقم (84)
حكم المضمضة والاستنشاق
السؤال: هل تجب المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل؟ أم هي سنة وليست بواجبة؟ وهل هناك فرق بين الطهارة الصغرى والكبرى؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الصحيح من أقوال الفقهاء أن المضمضة والاستنشاق سنّة في الوضوء وهو قول جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في رواية؛ لأن الواجب في باب الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، وداخل الأنف والفم ليس من جملتها، أما ما سوى الوجه فظاهر، وكذا الوجه؛ لأنه اسم لما يواجه به الإنسان عادة، والفم لا يواجه به بكل حال؛ فلا يجب غسله.
والدليل عليه قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ﴾ [المائدة: 6].
فالوجه عند العرب: ما حصلت به المواجهة، وداخل الفم والأنف ليس من الوجه.
وذكرهما من الفطرة يدل على مخالفتهما لسائر الوضوء.
ولقوله ﷺ للأعرابي: «تَوَضَّأْ كما أَمَرَكَ اللهُ»(1).
قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث من أحسن الأدلة؛ لأن هذا الأعرابي صلى ثلاث مرات فلم يحسنها، فعلِم النبي ﷺ حينئذ أنه لا يعرف الصلاة التي تفعل بحضرة الناس وتشاهد أعمالها فعلّمه واجباتها وواجبات الوضوء، فقال النبي ﷺ: «تَوَضَّأْ كما أَمَرَكَ اللهُ» ولم يذكر له سنن الصلاة والوضوء؛ لئلا يكثر عليه فلا يضبطها، فلو كانت المضمضة واجبة لعلّمه إياها، فإنه مما يخفى، لا سيما في حق هذا الرجل الذي خفيت عليه الصلاة التي تشاهد فكيف الوضوء الذي يخفى(2).
وذهب الحنابلة في المشهور عنهم إلى أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الطهارتين الصغرى والكبرى -أي الغسل والوضوء-؛ لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنَ الْوُضُوْءِ الَّذِيْ لَابُدَّ مِنْهُ»(3)، ولأن كل من وصف وضوء النبي ﷺ مستقصياً ذكر أنه تمضمض واستنشق، ومداومته عليهما تدل على وجوبهما؛ لأن فعله يصلح أن يكون بياناً وتفصيلاً للوضوء المأمور به في كتاب الله، وكونهما من الفطرة لا ينفى وجوبهما؛ لاشتمال الفطرة على الواجب والمندوب(4).
وأما في الطهارة الكبرى الغسل فالصحيح أنه يجب فيهما المضمضة والاستنشاق وهو مذهب الحنفية والحنابلة في المذهب -كما تقدم-؛ لأن الكبرى يجب فيها غسل كل ما أمكن من البدن كبواطن الشعور الكثيفة، ولا يمسح فيها على الحوائل، فوجبا فيها بخلاف الصغرى.
ولأن الله تعالى قال: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6]
أي: طهروا أبدانكم فيجب غسل ما يمكن غسله من غير حرج ظاهراً كان أو باطناً(5).
وذهب المالكية والشافعية وأحمد في رواية إلى أن المضمضة والاستنشاق سنة في والغسل.
وذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة؛ لقول النبي ﷺ: «من تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ»(6) وفي رواية «إذا تَوَضَّأَ أحدكم فَلِيَجْعَلْ في أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ»(6).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «من تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ»(7).
وعن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: «اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أو ثَلاَثاً»(8).
وهذا أمر يقتضي الوجوب، ولأن الأنف لا يزال مفتوحاً وليس له غطاء يستره بخلاف الفم(9).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود(861) والترمذي(303) وحسنه والنسائي في الكبرى(1631) والبيهقي في الكبرى(2/380) وابن خزيمة في صحيحه(1/274) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود(767).
(2) حاشية الدسوقي(1/97) وجواهر الإكليل(1/23) والمجموع(2/381/386) والمغني(1/143) والإنصاف(1/153) وتفسير ابن كثير(3/36) وشرح مسلم(3/87) والإفصاح(1/64) وفتح الباري(1/315).
(3) رواه الدارقطني(1/84) وصوب إرساله ورواه البيهقي في الكبرى(1/52) وابن الجوزي في التحقيق(1/144) وفي العلل المتناهية(1/337/338) وقال الدارقطني: تفرد به عاصم -أي ابن يوسف- المبارك ووهم فيه، والصواب عن ابن جريج عن سليمان بن موس مرسلاً، وأحسب عاصماً حديث به من حفظه فاختلط عليه.اهـ ثم أخرجه مرسلاً وقال: والمرسل أصح، هكذا رواه السفيانان وغيرهما. نصب الراية(1/47).
(4)المغني(1/144) والإنصاف(1/153) والإفصاح(1/65)والمجموع(2/382).
(5) أحكام القرآن للجصاص(3/340) والبدائع(1/89) ومراقي الفلاح(32) وعمدة القاري(3/18) والمغني(1/143) والإنصاف(1/152) والإفصاح(1/64) والبحر الرائق(1/48).
(6) رواه البخاري(162) ومسلم(ا/212).
(7) رواه مسلم(1/212).
(8) أخرجه أحمد في المسند(1/228) وأبو داود(141) وابن ماجه(408) وصححه الألباني.
(9) المغني(1/143) والإنصاف(1/152) والمجموع(2/382).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/-wDL4F-ivl8