ما حكم غائط الإنسان وبوله؟
الفتوى رقم(179)
ما حكم غائط الإنسان وبوله؟
السؤال:
ما الدليل على أن غائط الإنسان(البراز) وبوله نجس؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
اتفق الفقهاء على نجاسة غائط الإنسان وبوله، واستدلوا على ذلك:
1- بقول النبي ﷺ:«إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ»(1).
2- وبما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ قَالَ: «لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا قَالَ: «إِنَّ جَبْرَائِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا -وفي رواية: قذراً- فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَيْهِ فَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا خَبَثًا، فَإِنْ وَجَدَ خَبَثًا فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا»(2).
3-وبحديث أنس أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ في الْمَسْجِدِ فَقَامَ إليه بَعْضُ الْقَوْمِ فقال رسول الله ﷺ:«دَعُوهُ ولا تُزْرِمُوهُ»قال: فلما فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ من مَاءٍ فَصَبَّهُ عليه(3).
قال الإمام النووي رحمه الله: فيه إثبات نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه، ولا فرق بين الكبير والصغير بإجماع من يعتد به، لكن بول الصبي يكفي فيه النضح(4).
وقال ابن رشد رحمه الله: اتفق الفقهاء على نجاسة بول ابن آدم ورجيعه إلا بول الصبي الرضيع(5).
وقال ابن قدامة رحمه الله: ما خرج من السبيلين، كالبول والغائط والمذي والودي والدم وغيره، فهذا لا نعلم في نجاسته خلافاً(6).
وقال ابن المنذر رحمه الله: وأجمعوا على إثبات نجاسة البول(7).
وقال الإمام الماوردي رحمه الله: بول الآدميين فنجس إجماعا صغيراً كان أو كبيراً، ذكرا كان أو أنثى؛ لرواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «أكثر عذاب القبر من البول»، ولولا أنه نجس يلزمه اجتنابه ما استحق عذاب القبر عليه، وروى الشافعي عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن أعرابيًّا دخل المسجد فقال: اللهم ارحمني ومحمد أو لا ترحم معنا أحدًا ، فقال النبي ﷺ: «لقد تحجرت واسعًا، فما لبث أن بال، فعجل الناس عليه، فنهاهم رسول الله ﷺ وقال: يسروا ولا تعسروا صبوا عليه ذنوبًا من ماء»، فإذا ثبت نجاسة بول الآدميين بما ذكرناه من السنة والإجماع فالواجب غسله بالماء إلا بول الصبي قبل الطعام، فإنه يطهر برش الماء عليه.
فأما بول الصبية فلا يطهر إلا بالغسل قبل أكل الطعام وبعده.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يطهر بولهما جميعًا إلا بالغسل.
وقال الأوزاعي: يطهر بولهما جميعًا بالرش، والدلالة على الفريقين في جواز الرش على بول الغلام ووجوب غسل بول الجارية رواية علي بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله ﷺ قال: «يغسل بول الجارية وينضح على بول الغلام ما لم يأكل الطعام»، وهذا نص ذكره ابن المنذر، وروت لبابة بنت الحارث أن رسول الله ﷺ أجلس الحسن في حجره فبال عليه فقالت: قلت له: لو أخذت ثوبًا وأعطيتني إزارك لأغسله فقال ﷺ: «إنما يغسل من بول الأنثى، وينضح على بول الذكر» وهذا نص أيضًا ذكره أبو داود، وروي عن أم قيس بنت محصن أنها جاءت إلى رسول الله ﷺ بطفل لها ليحنكه فبال في حجره فنضح عليه الماء»، فثبتت سنة رسول الله ﷺ قولاً وفعلاً بصحة ما ذكرناه من جواز الرش على بول الصبي ما لم يأكل الطعام، وغسل بول الصبية قبل الطعام وبعده، ثم الفرق بينهما في المعنى وجهين:
أحدهما: أن بول الجارية أحر من بول الغلام، ومني الغلام أحر من مني المرأة على ما تعارفه الناس في غالب العادة، فمن هذا الوجه خف الحكم في بول الغلام، وغلظ في بول الجارية.
والثاني: أنه لمَّا جاز بلوغ الغلام بمائع طاهر وهو المني، وبلوغ الجارية بمائع نجس وهو الحيض جاز أن يفترقا في حكم طهارة البول، على أن الغلام كثيًرا ما يتداوله الناس فكان حكم بوله أخف(8).
وقال الإمام النووي رحمه الله: وقد اختلف العلماء في كيفية طهارة بول الصبي والجارية على ثلاثة مذاهب، وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا، الصحيح المشهور المختار أنه يكفي النضح فى بول الصبي، ولا يكفي فى بول الجارية بل لا بد من غسله كسائر النجاسات.
والثاني: أنه يكفي النضح فيهما.
والثالث: لا يكفي النضح فيهما، وهذان الوجهان حكاهما صاحب التتمة من أصحابنا وغيره، وهما شاذان ضعيفان، وممن قال بالفرق علي بن أبي طالب وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وجماعة من السلف وأصحاب الحديث وابن وهب من أصحاب مالك رضى الله عنهم، وروي عن أبى حنيفة، وممن قال بوجوب غسلهما أبو حنيفة ومالك فى المشهور عنهما وأهل الكوفة.
واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في كيفية تطهير الشيء الذي بال عليه الصبي، ولا خلاف فى نجاسته، وقد نقل بعض أصحابنا إجماع العلماء على نجاسة بول الصبي، وأنه لم يخالف فيه إلا داود الظاهري، قال الخطابي وغيره وليس تجويز من جوز النضح فى الصبي من أجل أن بوله ليس بنجس، ولكنه من أجل التخفيف في إزالته فهذا هو الصواب، وأما ما حكاه أبو الحسن ابن بطال ثم القاضي عياض عن الشافعي وغيره أنهم قالوا بول الصبي طاهر فينضح فحكاية باطلة قطعًا.
وأما حقيقة النضح هنا فقد اختلف أصحابنا فيها، فذهب الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي حسين والبغوي إلى أن معناه أن الشيء الذى أصابه البول يغمر بالماء كسائر النجاسات بحيث لو عصر لا يعصر.
قالوا: وأنما يخالف هذا غيره فى أن غيره يشترط عصره على أحد الوجهين، وهذا لا يشترط بالاتفاق، وذهب إمام الحرمين والمحققون إلى أن النضح أن يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا يبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره، بخلاف المكاثرة في غيره فإنه يشترط فيها أن يكون بحيث يجرى بعض الماء ويتقاطر من المحل وإن لم يشترط عصره، وهذا هو الصحيح المختار، ويدل عليه قولها فنضحه ولم يغسله وقوله فرشه أي نضحه والله أعلم، ثم أن النضح إنما يجزئ ما دام الصبي يقتصر به على الرضاع أما إذا أكل الطعام على جهة التغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف والله أعلم(9).
المفتي:الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)رواه أبو داود(385) وابن حبان في موارد الظمآن(1/85) والحاكم في المستدرك(1/271) وقال صحيح على شرط مسلم وصححه الألباني في في صحيح سنن أبي داود(371).
(2)رواه أبو داود(650) وأحمد في مسنده(3/20) وابن أبي شيبة في المصنف(2/181) وابن خزيمة في صحيحه(1017) والحاكم في المستدرك (1/391) وقال: صحيح على شرط مسلم والبيهقي في الكبرى(2/402) وصححه الألباني في صحيح أبي داود(605).
(3)رواه البخاري(220) مسلم(284).
(4)شرح مسلم للنووي(3/159) وانظر بداية المجتهد(1/123) والفتاوى الهندية(1/46).
(5)بداية المجتهد(1/120).
(6)المغني(1/282).
(7)الإجماع(22).
(8)الحاوي الكبير(1/248،249).
(9)شرح مسلم(3/195).