ما حكم من ضاق عليه الوقت بحيث لو استعمل الماء فات وقت الصلاة؟
الفتوى رقم(175)
ما حكم من ضاق عليه الوقت بحيث لو استعمل الماء فات وقت الصلاة؟
السؤال:
هل يجوز التيمم لمن ضاق عليه الوقت بحيث لو استعمل الماء فات وقت الصلاة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
من أخر الصلاة لعذر كالنائم والمريض فهذا لا يتمم بل يتوضأ ويصلي ولو خرج وقت الصلاة؛ لأنه الوقت في حقه ومن آخر الصلاة لغير عذر فيتمم ويصلي ثم يعيد.
وإليك بيان أقوال العلماء في المسألة:
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا كان الماء موجوداً إلا أنه إذا اشتغل بتحصيله واستعماله حتى فات الوقت أنه لا يجوز له التيمم، سواء كان حاضراً أو مسافراً؛ لقوله تعالى: «فَاغْسِلُوا»، ولقوله ﷺ: «التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء»، فمتى كان واجداً الماء فليس التراب له طهوراً فلا تجزئه صلاته.
ومن جهة النظر أن فرض الطهارة آكد من فرض الوقت، بدلالة أنه لا تجوز صلاة بغير طهارة وهي جائزة مع فوات الوقت.
وذهب الإمام مالك و زفر من الحنفية وهو أيضاً محكي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -كما في البحر؛ فإن ابن نجيم قال: لكن ظفرت بأن التيمم لخوف فوات الوقت رواية عن مشايخنا ذكرها في “القنية” إلى أن من خاف فوات الوقت جاز له التيمم- وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإنه قال: وأصح أقوال العلماء أنه يتيمم لكل ما يخاف فوته كالجنازة وصلاة العيد وغيرها مما يخاف فوته فإن الصلاة بالتيمم خير من تفويت الصلاة، كما أن صلاة التطوع بالتيمم خير من تفويته، ولهذا يتيمم للتطوع من كان له ورد في الليل يصليه وقد أصابته الجنابة والماء بارد يضره، فإذا تيمم وصلى التطوع وقرأ القرآن بالتيمم كان خيراً من تفويت ذلك.
قال في «الدر المختار»: فالأحوط أن يتيمم ويصلي ثم يعيده.
قال ابن عابدين رحمه الله:هذا قول زفر قال إبراهيم الحلبي…ولعل هذا من هؤلاء المشايخ اختيار لقول زفر لقوة دليله، وهو أن التيمم إنما شرع إلى أداء الصلاة في الوقت فيتيمم عند خوف فواته، قال شيخنا ابن الهمام: إن الفقهاء ردوا على زفر ولم يتوجه لهم عليه سوى أنهم قالوا: أن من أخَّر الصلاة إلى آخر الوقت كان مقصراً وتقصيره جاء من قبله فلا يستحق الترخيص له بجواز التيمم، ولكن هذا الرد على زفر إنما يتم لو أخَّر بعذر، فيلزمهم أن يرخصوا له التيمم لو أخر لعذر، على أنه لو أخر بلا عذر فلا يتجه أيضاً؛ لأنها غايته أنه عاصي بالتأخير والعاصي عندنا كالمطيع في ثبوت الترخيص له.
وأقول: إذا أخر لا لعذر فهو عاص.
والمذهب عندنا أنه كالمطيع في الرخص، نعم تأخيره إلى هذا الحد عذر جاء من قبل غير صاحب الحق، فينبغي أن يقال: يتيمم ويصلي ثم يعيد الوضوء، كمن عجز بعذر من قبل العباد، وقد نقل الزاهدي في شرحه هذا الحكم عن الليث بن سعد.
وقد ذكر ابن خلكان أنه كان حنفي المذهب، وكذا ذكره في “الجواهر المضيئة” في “طبقات الحنفية” اهـ. ما في “الحلية”.
قال ابن عابدين: وهذا قول متوسط بين القولين، وفيه الخروج عن العهدة بيقين فلذا أقره الشارح، ثم رأيته منقولاً في “التاترخانية” عن أبي نصر بن سلام وهو من كبار الأئمة الحنفية قطعاً، فينبغي العمل به احتياطاً ولا سيما وكلام بن الهمام يميل إلى ترجيح قول زفر كما علمته، بل قد علمت من كلام “القنية” أنه رواية عن مشايخنا الثلاثة، ونظير هذا مسألة الضيف الذي خاف ريبة فإنهم قالوا: يصلي ثم يعيد، والله تعالى أعلم(1).
المفتي:الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي،مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد المحتار(1/413/414) والبحر الرائق(1/147) وأحكام القرآن للجصاص(4/17/18) والأوسط(2/30/31) ومجموع الفتاوى(21/436/456) والمغني(1/343) وكفاية الأخيار(94) وتفسير القرطبي(3/469).