هل التيمم يرفع الحدث أم يبيح استباحة الصلاة؟
الفتوى رقم(149)
هل التيمم يرفع الحدث أم يبيح استباحة الصلاة؟
السؤال:
هل التيمم يرفع الحدث أم يبح استباحة الصلاة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
اختلف الفقهاء في التيمم هل يرفع الحدث أم يبيح الصلاة فقط أو ما يفتقر إلى طهارة؟
والصحيح من أقوال العلماء أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يبيح الصلاة فينوي استباحة الصلاة، فإن نوى رفع الحدث لم يصح؛ لأنه لا يرفع الحدث، وهو مذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة.
وذهب الحنفية والظاهرية إلى أنه يرفع الحدث.
قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمع العلماء على أن طهارة التيمم لا ترفع الحدث إذا وجد الماء، بل متى وجده أعاد الطهارة جنباً كان أو محدثاً وهذا مذهب مالك والشافعي وغيرهما، وحكي عن أبي حنيفة أنه يرفع الحدث؛ لأنه طهارة عن حدث يبيح الصلاة، فيرفع الحدث كطهارة الماء، ووجه قول مالك والشافعي -وأحمد- وغيرهما أنه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم إذا كان جنباً أو محدثاً أو امرأة حائضاً، ولو رفع الحدث لاستوى الجميع؛ لاستوائهم في الوجدان، ولأنها طهارة ضرورة، فلم ترفع الحدث كطهارة المستحاضة، وبهذا فارق الماء(1).أهـ
وقال الإمام الماوردي رحمه الله: فالتيمم مع إجماعهم على وجوب النية فيه لا يرفع الحدث، وإنما يبيح فعل الصلاة فيكون موافقًا للوضوء في استباحته الصلاة، ومخالفًا له في رفع الحدث.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: التيمم يرفع الحدث كالوضوء؛ استدلالًا برواية أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إن الصعيد الطيب طهور» فجعله مطهّرًا، قال: ولأنها طهارة عن حدث فوجب إذا استباح بها فعل الصلاة أن يستفاد بها رفع الحدث قياساً على الوضوء، قال: ولأنه أحد نوعي ما يتطهر به فوجب أن يرفع الحدث كالماء، قال: ولأنه لو لم يكن التيمم رافعا للحدث لما أثر في إبطاله طروء الحدث، فلما بطل بالحدث الطارئ دل على أنه كان رافعا للحدث الأول.
ودليلنا هو أنه طهارة ضرورة فلم يرفع الحدث، كطهارة المستحاضة، ولأنه ممن يلزمه استعمال الماء عند رؤيته، فوجب أن يكون محدثًا كالمصلي مع فقد الماء والتراب معًا، ولأنه أحدث طهارة لا يسقط عنه فرض استعمال الماء إذا قدر عليه فلم يرتفع حدثه كالمتوضئ بالماء النجس، ولأن التيمم إذا ارتفع حدثه كالمتوضئ لم يلزمه الوضوء لصلاة مستقبلة كالمتوضئ، ولأن ما لم يرفع الحدث في الحضر لا يرفعه في السفر قياسًا على الماء إذا لم يكف جميع البدن.
وأما الجواب عن الخبر فهو إنه منقطع؛ لأن في إسناده رجلاً من بني عامر مجهول فلم يكن فيه حجة، ثم لو صح لكان قوله “طهور” محمولاً على سقوط الفرض، وأما قياسه على الوضوء فمنتقض بطهارة المستحاضة، ثم المعنى في الوضوء أنه لما يلزم معه استعمال الماء عند رؤيته دل على ارتفاع الحدث به، ولما لزم المتيمم استعمال الماء عند رؤيته دل على أن الحدث لم يرتفع، وأما قياسه على الماء فالمعنى في الماء أنه مستعمل في غير الضرورة، فكانت الطهارة به عامة في سقوط الفرض دون رفع الحدث.
وأما الجواب عن قوله: إنه لمّا بطل التيمم بالحدث الطارئ دل على أنه لم يكن من قبله محدثًا، فهو أنه يستنبط منه دليل عليهم فيقال: لو أن جنبًا تيمم لجنابته ثم أحدث بعد تيممه ووجد الماء لزمه أن يغتسل به، فلو كان التيمم رافعًا لحدثه لكان حكم الجنابة ساقطًا ولزمه أن يتوضأ لما طرأ من حدثه، وفي ذلك أقوى دليل على بقاء الحدث الأول بعد تيممه، ثم يقال: إنما بطل تيممه بالحدث الطارئ وإن كان محدثًا؛ لأن التيمم تباح به الصلاة بالحدث الأول لا بالحدث الطارئ(2).
المفتي:الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)التمهيد(19/291).
(2)الحاوي الكبير(1/242،244).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/MeXUrKsPXPg