هل القهقهة في الصلاة تبطل الوضوء؟
الفتوى رقم (105)
هل القهقهة في الصلاة تبطل الوضوء؟
السؤال:
هل القهقهة في الصلاة تبطل الوضوء؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
القهقهة في الصلاة ليست حدثاً ينقض الوضوء؛ لأنها لا تنقض الوضوء خارج الصلاة فلا تنقضه داخلها، ولأنها ليست خارجا نجساً، بل هو صوت كالكلام والبكاء، ولأن الوجوب من الشارع ولم ينص من الشارع في هذا إيجاب للوضوء ولا في شيء يقاس هذا عليه، وبهذا قال جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة.
ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الوضوء من القهقهة مستحب في أحد القولين في مذهب أحمد، والحديث المأثور في أمر الذين قهقهوا بالوضوء وجهه أنهم أذنبوا بالضحك، ومستحب لكل من أذنب ذنباً أن يتوضأ ويصلي ركعتين، كما جاء في السنن عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَلِكَ الذَّنْبِ، إِلَّا غَفَرَ لَهُ»(1) والله أعلم(2).
وذكرالحنفية في جملة الأحداث التي تنقض الوضوء القهقهة في الصلاة إذا حدثت من مصلٍّ بالغ يقظان في صلاة كاملة ذات ركوع وسجود، سواء كان متوضئاً أم متيمماً أم مغتسلاً في الصحيح، وسواء كانت القهقهة عمداً أم سهواً؛ لما روى أبو العالية أن رسول الله ﷺ: «كَانَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، فَجَاءَ ضَرِيرٌ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله ﷺ الَّذِينَ ضَحِكُوا أَنْ يُعِيدُوا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ»(3).
والقهقهة ما يكون مسموعاً لجيرانه، والضحك ما يسمعه هو دون جيرانه، والتبسم ما لا صوت فيه ولو بدت أسنانه.
قالوا: القهقهة تبطل الوضوء والصلاة معاً، والضحك يبطل الصلاة خاصة، والتبسم لا يبطل شيئًا.
وعلى ذلك فلا يبطل وضوء صبي ونائم بالقهقهة في الصلاة على الأصح عندهم، كما لا ينقض وضوء من قهقه خارج الصلاة، أو من كان في صلاة غير كاملة كصلاة الجنازة وسجود التلاوة.
ثم قيل: القهقهة من الأحداث عندهم.
وقيل: إنها ليست حدثاً إنما يجب الوضوء بها عقوبة وزجراً؛ لأن المقصود بالصلاة إظهار الخشوع والخضوع والتعظيم لله تعالى، والقهقهة تنافي ذلك فناسب انتقاض وضوئه زجراً له.
والراجح أنها ليست حدثاً وإلا لاستوى فيها البالغ وغيره.
قال ابن عابدين رحمه الله: ورجح في «البحر» القول الثاني لموافقته القياس؛ لأنها ليست خارجاً نجساً بل هي صوت كالكلام والبكاء، ولموافقته الأحاديث المروية فيها؛ إذ ليس فيها إلا الأمر بإعادة الوضوء والصلاة، ولا يلزم منه كونه حدثاً.
وفائدة الخلاف في القولين تظهر في جواز مس المصحف وكتابة القرآن، فمن جعلها حدثاً منع كسائر الأحداث، ومن أوجب الوضوء عقوبة وزجراً جوَّز مس المصحف وكتابة القرآن(4).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه أبو داود(1521) والترمذي(406،3006) وابن ماجه(1395) وغيرهم وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1346).
(2) مجموع الفتاوى(21/242) والثمر الداني(1/186) والمنهج القويم(1/66) والكافي لابن عبد البر(1/13) والحاوي الكبير(1/202،204) والمغني(1/227) والإفصاح(1/82) وكشاف القناع(1/131).
(3) رواه الدارقطني (1/62،163،169،171) والبيهقي في الكبرى(1/146) وقال: هذا حديث مرسل ومراسيل أبي العالية ليست بشيء كان لا يبالي عمن يأخذ حديثه.
(4) رد المحتار(1/275) والبحر الرائق(1/42) وبدائع الصنائع(1/127).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/H23k5xjQ7m8