هل النجاسة الخارجة من غير السبيلين تنقض الوضوء أم لا؟
الفتوى رقم(94)
هل النجاسة الخارجة من غير السبيلين تنقض الوضوء أم لا؟
السؤال:
هل النجاسة الخارجة من غير السبيلين تنقض الوضوء أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
اختلف الفقهاء في حكم النجاسة الخارجة من غير السبيلين كالحجامة والرعاف والقيء والدم هل ينقض الوضوء أم لا؟
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أن النجاسات الخارجة من غير السبيلين ناقضة للوضوء، لكن الإمام أحمد رحمه الله قال: إذا كان الخارج فاحشاً كثيراً، أما إذا كان الخارج يسيراً فعلى روايتين:
إحداهما: ينقض.
والثانية: لا ينقض وهي الصواب.
قال البهوتي: وأما كون القليل من ذلك لا ينقض فالمفهوم قول ابن عباس في الدم: إن كان فاحشاً فعليه الإعادة، قال أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه وابن عمر عثر بثرة فخرج الدم فصلى ولم يتوضأ، وابن أبي أوفى عصر دملاً وذكر غيرهما ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعاً(1).
وذهب المالكية والشافعية وشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن خروج هذه الأشياء غير ناقضة للوضوء، وهو الصحيح من أقوال أهل العلم، سواء قل ذلك أو كثر، وإنما يلزم تطهير الموضع الذي أصابته النجاسة الخارجة من سائر البدن، ويبقى الوضوء إلا إذا انتقض بسبب أخر؛ ولأن الأصل ألا نقض حتى يثبت بالشرع ولم يثبت.
قال النووي رحمه الله: سواء قل ذلك أو كثر، وإنما يلزم تطهير الموضع الذي أصابته النجاسة الخارجة من سائر البدن، ويبقى الوضوء إلا إذا انتقض بسبب أخر، ولأن الأصل ألا نقض حتى يثبت بالشرع ولم يثبت، والقياس ممتنع في هذا الباب؛ لأن علة النقض غير معقولة.
قال النووي: قال أبو بكر ابن المنذر رحمه الله: لا وضوء في شيء من ذلك؛ لأني لا أعلم مع من أوجب الوضوء فيه حجة.
قال النووي رحمه الله: هذا كلام ابن المنذر الذي لا شك في إتقانه وتحقيقه وكثرة إطلاعه على السنة ومعرفته بالدلائل الصحيحة وعدم تعصبه(2).أهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والأظهر أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر ولا النساء ولا خروج النجاسات من غير السبيلين ولا القهقهة ولا غسل الميت، فإنه ليس مع الموجبين دليل صحيح، بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب، لكن الاستحباب متوجه ظاهر؛ فيستحب أن يتوضأ.
وقال في موضع آخر: وبهذه الطريقة يعلم أنه لم يُجِبْ -أي النبيﷺ- الوضوء مِنْ لَمْسِ النساءِ ولا مِنْ النجاساتِ الخارجةِ من غير السبيلين، فإنه لم ينقل أحد بإسناد يثبت مثله أنه أمر بذلك مع العلم بأن الناس كانوا لا يزالون يحتجمون ويتقيئون ويُجرحون في الجهاد وغير ذلك، وقد قَطَعَ عِرْقَ بعضِ أصحابه ليُخْرجَ منه الدمَ وهو الفصاد، ولم يَنْقِلْ عنه مسلم أنه أمر أصحابه بالتوضؤ من ذلك(3).
قال ابن رشد رحمه الله: اختلف علماء الأمصار في انتقاض الوضوء مما يخرج من الجسد من النجس على ثلاثة مذاهب:
فاعتبر قوم في ذلك الخارجَ وحده من أي موضع خرج، وهو أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأحمد وجماعة ولهم من الصحابة السلف فقالوا: كل نجاسة تسيل من الجسد وتخرج منه يجب منها الوضوء كالدم والرعاف الكثير والفصد والحجامة والقيء إلا البلغم عند أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة: إنه إذا ملأ الفم ففيه الوضوء، ولم يعتبر أحد من هؤلاء اليسير من الدم إلا مجاهد، واعتبر قوم آخرون المخرجين الذكر والدبر، فقالوا: كل ما خرج من هذين السبيلين فهو ناقض للوضوء من أي شيء خرج من دم أو حصاة أو بلغم وعلى أي وجه خرج كان خروجه على سبيل الصحة أو على سبيل المرض، وممن قال بهذا القول الشافعي وأصحابه ومحمد بن عبد الحكم من أصحاب مالك.
واعتبر قوم آخرون الخارج والمخرج وصفة الخروج فقالوا: كل ما خرج من السبيلين مما هو مـعـتـاد خروجه وهو البول والغائط والمذي، والودي والريح إذا كان خروجه على وجه(4).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كشاف القناع (1/124).
(2) المجموع (2/65).
(3)مجموع الفتاوى(20/525،52/،21/222/،25/238/،26/192) والبدائع(1/101) والهداية(1/14) والبحر الرائق(1/33) ورد المحتار(1/260، 261) والتلقين(1/47) وحاشية الدسوقي(1/190) وبلغة السالك(1/94) وكفاية الأخيار(76) والمغني(1/220) والتحقيق(1/143) ونيل الأوطار(1/235) منارالسبيل(1/44) وعون المعبود(1/231).
(4) بداية المجتهد(1/58،60).
الفتوى بصيغة فيديو:https://youtu.be/rc5Om_NSjFU
>