هل يجب استيعاب الخفين بالمسح؟ وهل يسن مسح باطن الخف؟
الفتوى رقم (119)
هل يجب استيعاب الخفين بالمسح؟ وهل يسن مسح باطن الخف؟
السؤال:
كيف أمسح على الخفين؟ وما مقدار الواجب في المسح؟ وهل يشترط أن أمسح باليد؟ وهل أمسح ظاهره أم باطنه؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
اختلف أهل العلم في القدر المجزئ في المسح على الخفين على أقوال
عندهم في ذلك:
ذهب الحنفية إلى أن الواجب في مسح الخفين قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد على ظاهر الخف فقط مرة واحدة.
قال في «الدر المختار»: وفرضه عملاً قدر ثلاث أصابع اليد أصغرها طولاً وعرضاً من كل رِجل.
قال ابن عابدين رحمه الله: أشار إلى أن الأصابع غير شرط، وإنما الشرط قدرها فلو أصاب موضع المسح ماء أو مطر قدر ثلاث أصابع جاز، وكذا لو مشى في حشيش مبتل بالمطر، وكذا بالطل في الأصح.
وكيفيته أن يبدأ بالمسح على الخفين من أصابع القدم خطوطاً إلى جهة الساق، فيضع أصابع يده اليمنى على مقدم خفه رجله اليمنى، واليسرى كذلك ويفرق بين أصابع يده قليلاً، بحيث يعمم المسح أكبر قدر ممكن من الخف، ولذلك لا يصح المسح على باطن القدم ولا على جوانبه ولا على عقبه ولا على ساقه، كما لا يسن تكرار المسح.
قال ابن عابدين رحمه الله: قوله: (من كل رِجل) أي: فرضه هذا القدر كائناً مِنْ كلٍّ على حِدَه، قال في «الدر»: حتى لو مسح على إحدى رجليه مقدار إصبعين وعلى الأخرى مقدار خمس لم يجز(1).
أما المالكية فإنهم يرون وجوب مسح جميع ظاهر الخف، ويندب مسح أسفله أيضاً، وتبطل الصلاة إن ترك مسح أعلاه دون أسفله، أما لو مسح أعلاه دون أسفله فيستحب أن يعيد الصلاة في الوقت(2).
ويرى الشافعية: أن المسح الواجب هو ما يصدق عليه مسمى مسح في محل الفرض كمسح الرأس، فيكفي بيده وعود ونحوهما؛ لأن المسح ورد مطلقاً ولم يصح في تقدير شيء فتعين الاكتفاء بما ينطلق عليه الاسم.
ومحل الفرض هو مسح ظاهر الخف، فلا يجزئ مسح أسفله ولا عقبه ولا جوانبه، إلا أن السنة أن يعمم المسح على ظاهر وباطن الخف خطوطاً كالمالكية بأن يضع يده اليسرى تحت العقب واليمنى على ظهر الأصابع ثم يمر إلى ساقه أي إلى آخره(3) .
ويرى الحنابلة: أن المجزئ في المسح عندهم أن يمسح أكثر مقدم ظاهره خطوطاً بالأصابع، ولا يسن مسح أكثر من ذلك من باطن الخف أو جوانبه أو عقبه أو ساقه، ولا يسن عندهم مسح أسفله(4).
والسبب في اختلافهم في استحباب مسح أسفل الخف كما هو مذهب المالكية والشافعية، وعدم استحبابه كما هو مذهب الحنفية والحنابلة.
تعارض الآثار الواردة في ذلك، وتشبيه المسح بالغسل، وذلك أن في ذلك أثرين متعارضين.
أحدهما: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وفيه: «أنه ﷺ مَسَحَ أَعْلَى الخُفِّ وَأَسْفَلَهُ»(5).
والآخر: حديث علي رضي الله عنه: «لو كان الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ من أَعْلاَهُ وقد رأيت رَسُولَ الله ﷺ يَمْسَحُ على ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ»(6).
فمن ذهب مذهب الجمع بين الحديثين، حمل حديث المغيرة على الاستحباب، وحديث علي على الوجوب.
قال ابن رشد رحمه الله: وهي طريقة حسنة، ومن ذهب مذهب الترجيح أخذ إما بحديث علي، وإما بحديث المغيرة فمن رجح حديث المغيرة على حديث علي رجحه من قبل القياس -أعني: قياس المسح على الغسل- ومن رجح حديث علي رجحه من قبل مخالفة القياس أومن جهة السند(7).
قال ابن قدامة رحمه الله: ولأن باطنه ليس بمحل لفرض المسح، فلم يكن محلاً لمسنونه كساقه، ولأن مسحه غير واجب، لا يكاد يسلم من مباشرة أذى فيه، تتنجس يده به، فكان تركه أولى(8).
قال الإمام الطحطاوي رحمه الله: فعلى العاقل اتباع الشرع تعبداً وتسليماً؛ لعجزه عن إدراك الحكم الإلهية، وقد قال الإمام -أبو حنيفة-: لو قلت بالرأي لأوجبت الغسل بالبول؛ لأنه نجس متفق عليه، والوضوء بالمني؛ لأنه نجس مختلف فيه، ولأعطيت الذكر في الإرث نصف الأنثى؛ لكونها أضعف منه(9).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رد المحتار(1/4587) والبدائع(1/54/55) والبحر الرائق(1/181/182).
(2) شرح مختصر خليل(1/183) والشرح الصغير(1/110) والفواكه الرواني(1/189)
وأوجز المالك(1/252) وبداية المجتهد(1/40).
(3) مغني المحتاج(1/67) وبداية المجتهد(1/40) وروضة الطالبين(1/630).
(4) المغني(1/379/383) وبداية المجتهد(1/40) وروضة الطالبين(1/630) والهداية(1/29) والذخيرة(1/379/383) وكشاف القناع(1/118) والإفصاح(1/99/100).
(5) ضعيف رواه أبو داود(165) والترمذي(97) وابن ماجه(550)وغيرهم وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود(30).
(6) رواه أبو داود(162) والدارقطني(1/204) والبيهقي في الكبرى(1/292)وغيرهم وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
(7) بداية المجتهد(1/41).
(8) المغني(1/380).
(9) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح(1/86) وانظر البحر الرائق(1/181)
والتمهيد(11/147) والثمر الداني(1/84).
الفتوى بصيغة فيديو:https://youtu.be/XGY7xLkNLwM