هل يجوز المسح على الملبوس فوق الخف الممسوح عليه أم لا؟
الفتوى رقم (118)
هل يجوز المسح على الملبوس فوق الخف الممسوح عليه أم لا؟
السؤال:
هل يجوز المسح على الملبوس فوق الخف الذي مسحت عليه أول مرة أم لا يجوز؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
اختلف أهل العلم في اشتراط أن يكون الخف مفرداً بأن يلبسه وحده، فلو لبس فوقه غيره هل يجوز المسح عليه أم لا؟ على تفصيل بين الفقهاء.
فذهب الحنفية وهو الراجح عند المالكية -وهذا القول هو الصحيح- إلى جواز المسح على الجرموق -وهو ما يلبس فوق الخف وساقه أقصر من الخف-؛ لحديث أبي عبد الرحمن السلمي أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالا عن وضوء رسول الله ﷺ قال: «كان يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ على عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ»(1) والموق هو الجرموق عندهم.
وكذلك الحكم في الخف على الخف عندهم فهو كالجرموق على الخف.
فلو لبس خفين على طهارة ثم أحدث فمسح عليهما ثم لبس أخر من فوقهما ثم أحدث فليمسح عليهما أيضاً.
قال الإمام مالك: من لبس خفين على خفين مسح الأعلى منهما.
أما لو لبس الأسفلين على طهر ثم أحدث ثم لبس الأعليين قبل أن يتوضأ فيمسح على الأسفلين ولا يمسح على الأعليين(2).
أما الشافعية فقال الإمام النووي في «الروضة»: فرع: الجرموق هو الذي
يلبس فوق الخف لشدة البرد غالباً فإذا لبس خفاً فوق خف فله أربعة
أحوال:
أحدها: أن يكون الأعلى صالحاً للمسح عليه دون الأسفل لضعفه أو لخرقه فالمسح على الأعلى خاصة.
الثاني: عكسه فالمسح على الأسفل خاصة فلو مسح على الأعلى فوصل البلل إلى الأسفل؛ فإن قصد مسح الأسفل أجزأه وكذا إن قصدهما على الصحيح، وإن قصد الأعلى لم يجز، وإن لم يقصد واحداً بل قصد المسح في الجملة أجزأه على الأصح؛ لقصده إسقاط فرض الرجل بالمسح.
الثالث: أن لا يصلح واحد منهما فيتعذر المسح.
الرابع: أن يصلحا كلاهما ففي المسح على الأعلى وحده قولان: القديم جوازه والجديد منعه.
قلت -أي النووي-: الأظهر عند الجمهور الجديد وصحح القاضي أبو الطيب في «الفروع» القديم والله أعلم.
قال في أصل الروضة: فإن جوزنا المسح على الجرموق فقد ذكر ابن سريج، فيه ثلاثة معان أظهرهما: أن الجرموق بدل عن الخف والخف بدل عن الرجل.
والثاني: الأسفل كلفافة والأعلى هو الخف.
والثالث: أنهما كخف واحد فالأعلى ظاهره والأسفل باطنه.
وتتفرع على المعاني مسائل:
منها ما لبسوهما معاً على طهارة فأراد الاقتصار على مسح الأسفل جاز على المعنى الأول دون الآخرين.
ومنها ما لو لبس الأسفل على طهارة والأعلى على حدث ففي جواز المسح على الأعلى طريقان: أحدهما: لا يجوز.
وأصحهما: فيه وجهان:
إن قلنا بالمعنى الأول والثاني: لم يجز، وبالثالث: يجوز.
فلو لبس الأسفل بطهارة ثم أحدث ومسحه ثم لبس الجرموق فهل يجوز مسحه فيه طريقان.
أحدهما: يبنى على المعاني، إن قلنا بالأول أو الثالث جاز.
وبالثاني: لا يجوز.
وقيل: يبنى الجواز على هذا الثاني على أن مسح الخف يرفع الحدث أم لا؟
إن قلنا يرفع جاز وإلا فلا.
الطريق الثاني: القطع بالبناء على رفع الحدث.
وإذا جوزنا مسح الأعلى في هذه المسألة قال الشيخ أبو علي: ابتداء المدة من حين إحداث أول لبسه الأسفل وفي جواز الاقتصار على الأسفل الخلاف السابق(3).
أما الحنابلة فقال البهوتي رحمه الله: وإن لبس خفاً فلم يحدث حتى لبس عليه أخر وكانا -أي الخفان- صحيحين مسح أيَّهما شاء، إن شاء مسح الفوقاني؛ لأنه خف ساتر ثبت بنفسه أشبه المنفرد، وإن شاء مسح التحتاني بأن يدخل يده من تحت الفوقاني فيمسح عليه؛ لأن كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح عليه.
ولو لبس أحد الجرموقين في إحدى الرجلين فوق خفهما دون الرِّجل الأخرى فلم يلبس فيها جورباً بل الخف فقط جاز المسح عليه -أي على الجورب الذي لبسه فوق الخف- وعلى الخف الذي لبسه في الرِّجل الأخرى؛ لأن الحكم تعلق به وبالخف الذي في الرجل الأخرى، فهو كما لو لم يكن تحته شىء، فإن كان أحدهما -أي الخفين الذين لبس أحدهما فوق الأخر- أحدهما صحيحاً والآخر مفتقاً جاز المسح على الفوقاني؛ لأنهما كخف واحد، وكذا إن لبس على صحيح مخرقاً نص عليه قاله في المبدع.
ولا يجوز المسح على الخف التحتاني إذا كان أحد الخفين صحيحاً والأخر مفتقاً، إلا أن يكون التحتاني هو الصحيح، فيصبح المسح عليه، لأنه ساتر بنفسه، أشبه ما لو انفرد، بخلاف ما إذا كان الفوقاني هو الصحيح فلا يصح المسح إذاً على التحتاني؛ لأنه غير ساتر بنفسه.
قال في الإنصاف: وكل من الخف الفوقاني والتحتاني بدل مستقل من الغسل على الصحيح وإن كانا -أي الخفان- مخرقين وليس أحدهما فوق الآخر وسترا محل الفرض لم يجز المسح عليهما ولا على أحدهما؛ لأن كل واحد منهما غير صالح للمسح على انفراده، كما لو لبس مخرقا فوق لفافة، وإن نزع الفوقاني قبل مسحه لم يؤثر كما لو انفرد.
وإن توضأ ولبس خفاً ثم أحدث ثم لبس الخف الآخر لم يجز المسح عليه؛ لأنه لبسه على غير طهارة بل على الأسفل، أو مسح الخف الأول بعد حدثه ثم لبس الخف الثاني ولو على طهارة لم يجز المسح عليه -أي على الثاني-؛ لأن الخف الممسوح بدلٌ عن غسل ما تحته، والبدل لا يكون له بدل آخر بل على الأسفل؛ لأن الرخصة تعلقت به.
وإن لبس خفاً على آخر قبل الحدث ومسح الأعلى ثم نزع الممسوح لزمه نزع التحتاني وإعادة الوضوء؛ لأنه محل المسح ونزعه كنزعهما، والرخصة تعلقت بهما فصار كانكشاف القدم(4).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود(153) والحاكم(1/276) والبيهقي في الكبرى(1/188) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود(139).
(2) رد المحتار(1/450) والبدائع(1/48/49) والبحر الرائق(1/189)
والهداية(1/29) والذخيرة(1/329/330) وشرح مختصر خليل(1/178) والتاج والإكليل (1/319) وجواهر الإكليل(1/24/25).
(3) روضة الطالبين(1/127/128) والمجموع (1/569/574).
(4) كشاف القناع(1/117/118) والمغني(1/362/364) والإنصاف(1/193)
والفروع(1/138).
الفتوى بصيغة فيديو: https://youtu.be/qQEU_CcgMLo