هل يصح مسح القدمين المكشوفتين في الوضوء؟
الفتوى رقم (77)
هل يصح مسح القدمين المكشوفتين في الوضوء؟
السؤال:
هل يصح الوضوء دون غسل القدمين؟ وهل يجب تكرار غسلهما في الوضوء ؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن غسل الرجلين الظاهرتين السليمتين غير المستورتين بخف أو جبيرة إلى الكعبين مرة واحدة من أركان الوضوء؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة:6] أخذاً بقراءة النصب، بمعنى اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم دون الخفض، وهاتان القراءتان قد نزل بهما القرآن جميعاً، ونقلتهما الأمة تلقياً من رسول الله ﷺ، ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح بعطفها على الرأس، ويحتمل أن يراد بها الغسل بعطفها على المغسول من الأعضاء؛ وذلك لأن قوله: ﴿ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ بالنصب يجوز أن يكون مراده فاغسلوا أرجلكم، ويحتمل أن يكون معطوفاً على الرأس فيراد بها المسح؛ فإن اللفظ لما وقف الموقف الذي ذكرناه من احتماله لكل واحد من المعينين، مع اتفاق الجميع على أن المراد أحدهما صار في حكم المجمل المفتقر إلى البيان، فمهما ورد فيه من البيان عن الرسول ﷺ من فعل أو قول علمنا أنه مراد الله تعالى، وقد ورد البيان عن الرسول ﷺ بالغسل قولاً، فأما وروده من جهة الفعل فهو ما ثبت بالنقل المستفيض المتواتر أن النبي ﷺ غسل رجليه في الوضوء، ولم تختلف الأمة فيه، فصار فعله ذلك وارداً مورد البيان، وفعله إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب، فثبت أن ذلك هو مراد الله تعالى بالآية.
وأما من جهة القول فما روى جابر وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر، وغيرهم رضي الله عنهم أن النبي ﷺ رأى قوماً تلوح أعقابهم لم يصبها الماء فقال: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ»(1)، وتوضأ النبي ﷺ مرة مرة فغسل رجليه وقال: «هذا وضوءُ مَنْ لا يقبلُ اللهُ له صلاةً إلا به»(2)، فقوله: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّارِ» وعيد لا يجوز أن يستحق إلا بترك الفرض فهذا يوجب استيعاب الرِّجل بالطهارة، ويبطل قول من يجيز الاقتصار على البعض، وقوله ﷺ: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» وقوله بعد غسل الرجلين: «هذا وضوء مَنْ لا يقبلُ اللهُ له صلاةً إلا به» يوجب استيعابهما بالغسل؛ لأن الوضوء اسم للغسل يقتضي إجراء الماء علي الموضع والمسح لا يقتضي ذلك، وفي الخبر الآخر أنَّ الله تعالى لا يقبل الصلاة إلا بغسلهما.
وأيضاً: فلو كان المسح جائزاً لما أخلاه ﷺ من بيانه؛ إذ كان مراد الله تعالى في المسح كهو في الغسل، فكان يجب أن يكون مسحه في وزن غسله، فلما لم يرد المسح حسب وروده في الغسل ثبت أن المسح غير مراد.
وأيضاً: فإن القراءتين في إحداهما الغسل وفي الأخرى المسح؛ لاحتمالهما للمعنيين، فلو وردت آيتان إحداهما توجب الغسل والأخرى المسح لمَا جاز ترك الغسل إلى المسح؛ لأن الغسل زيادة فعل وقد اقتضاه الأمر بالغسل فكان يكون حينئذ يجب استعمالهما على أعمهما حكماً وأكثرهما فائدة وهو الغسل؛ لأنه يأتي على المسح، والمسح لا ينتظم الغسل.
وأيضاً: لما حدد الرجلين بقوله تعالى: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ﴾ كما قال: ﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ﴾ دلَّ على استيعاب الجميع كما دل ذكر الأيدي إلى المرافق على استيعابهما بالغسل.
وأيضاً: لمّا احتملت الآية الغسل والمسح استعملناها على الوجوب في الحالين الغسل في حال ظهور الرِّجلين والمسح في حال لبس الخفين.
وقال الإمام البيهقي رحمه الله: بعد قول النبي ﷺ: «ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلى الْكَعْبَيْنِ كما أَمَرَهُ الله تعالى(3) قال: وفي هذا دلالة أن الله تعالى أمر بغسلهما.
قال النووي رحمه الله: والأحاديث في المسألة كثيرة جداً. قال أصحابنا: ولأنهما عضوان محدودان فكان واجبهما الغسل كاليدين.
وقال أيضاً: أجمع المسلمون على وجوب غسل الرجلين ولم يخالف في ذلك من يعتد به، كذا ذكره الشيخ أبو حامد وغيره.
وقال ابن المنذر رحمه الله: وقد أجمع عوام أهل العلم على أن الذي يجب على من لا خف عليه غسل القدمين إلى الكعبين.
وقال الإمام الكاساني رحمه الله: قد ثبت بالتواتر أن النبي ﷺ غسل رجليه في الوضوء، لا يجحده مسلم، فكان قوله وفعله بيان المراد بالآية، فثبت بالدلائل المتصلة، والمنفصلة أن الأرجل في الآية معطوفة على المغسول لا على الممسوح، فكان وظيفتها الغسل لا المسح.أهـ.
وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى رحمه الله: أجمع أصحاب النبي ﷺ على غسل القدمين.
وقال الماوردي رحمه الله: غسل الرجلين في الوضوء مجمع عليه بنص الكتاب والسنة وفرضهما عند كافة الفقهاء الغسل دون المسح.
ويجب عند جمهور الفقهاء إدخال الكعبين في غسل الرجلين، ولم يخالفهم في ذلك إلا زفر، والكلام في النعلين نحو الكلام في المرفقين والكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق (4).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري (60، 69، 161، 163) ومسلم(240، 241، 242).
(2) رواه ابن ماجه (420) وضعفه الحافظ في الفتح (1/233) والدراية(1/25) وضعفه الألباني في الإرواء(85).
(3) رواه مسلم(832) من حديث عمرو بن عتبة دون قوله كما أمر الله تعالى ورواه ابن خزيمة في صحيحه بذكرها(1/85) والبيهقي في الكبرى(1/71).
(4) أحكام القرآن للجصاص(3/349، 352) ورد المحتار(1/212) والاستذكار(1/138/140) والبدائع(1/29/31) والأوسط(1/411/415) والتاج والإكليل(1/211) وحاشية الدسوقي(1/145) والمجموع(1/476/480) وشرح مسلم(3/104) وفتح الباري(1/320) وأحكام القرآن لابن العربي(2/70/171) والحاوي(1/148) ونيل الأوتار(1/168) والمغني(1/168/171) وبداية المجتهد(1/36) والأم للشافعي(1/27) والتحقيق(1/123).
الفتوى بصيغة فيديو: