هل الكلب نجس أم طاهر؟
اختلف الفقهاء في الكلب هل هو نجس العين ويجب على من لمسه أن يغسل منه ما مسه من الكلب أم لا؟
فذهب الشافعية و الحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أن عين الكلب نجسة (1).
قال الإمام السرخسي: و الصحيح من المذهب عندنا أن عين الكلب نجس وإليه يشير محمد رحمه الله في الكتاب في قوله: وليس الميت بأنجس من الكلب و الخنزير(2).
واستدلوا على ذلك بقول النبي ﷺ: «إذا وَلَغَ الْكَلْبُ في إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ» و في رواية: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إذا وَلَغَ فيه الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»(3)
قال الإمام النووي: والدلالة من الحديث الأول ظاهرة، لأنه لو لم يكن نجساً لما أمر بإراقته، لأنه يكون حينئذ إتلاف مال وقد نهينا عن إضاعة المال، ومن الحديث الثاني ظاهرة أيضاً، فإن الطهارة تكون من حدث أو نجس وقد تعذر الحمل هنا على طهارة الحدث فتعينت طهارة النجس (4).
وقال أيضاً في شرح مسلم (3/154): ولا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه، فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئاً طاهراً في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الكلب ليس بنجس العين.
قال في «الدر المختار»: واعلم أنه ليس الكلب بنجس العين عند الإمام وعليه الفتوى.
قال ابن عابدين /: وهو الصحيح و الأقرب إلى الصواب(5) وصححه أيضاً الكاساني في البدائع(6).
وذهب المالكية إلى طهارة الكلب، لأن الأصل في الأشياء الطهارة، وكذا عرقُه ودمعه ومخاطه ولعابه ومحل كون اللعاب طاهراً إن كان من غير المعدة، أما الخارج من المعدة فنجس وعلامته أن يكون أصفراً منتناً، وإنما يجب غسل الإناء من ولوغه تعبداً(7).
قال الإمام ابن عبد البر : مذهب مالك عند أصحابه اليوم أن الكلب طاهر وأن الإناء يغسل منه سبعا عبادة ولا يهرق شيء مما ولغ فيه غير الماء وحده ليسارة مئونته وأن من توضأ به إذا لم يجد غيره أجزأه وأنه لا يجوز التيمم لمن كان معه ماء ولغ فيه كلب وأنه لم يدر ما حقيقة هذا الحديث
واحتج بأنه يؤكل صيده فكيف يكره لعابه وقال مع هذا كله لا خير فيما ولغ فيه كلب ولا يتوضأ به أحب إلي هذا كله روى بن القاسم عنه .
وقد روى عنه بن وهب أنه لا يتوضأ بماء ولغ فيه كلب ضاريا كان الكلب أو غير ضار ويغسل الإناء منه سبعا .
وقد كان مالك في أول أمره يفرق بين كلب البادية وغيره في ذلك ثم رجع إلى ما ذكرت لك .
فتحصيل مذهب مالك أن التعبد إنما ورد في غسل الإناء الطاهر من ولوغ الكلب خاصة من بين سائر الطاهرات وشبهه أصحابنا بأعضاء الوضوء الطاهرة تغسل عبادة(8).
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن الكلب هل هو طاهر أو نجس؟ وما قول العلماء فيه؟
فأجاب: أما الكلب فللعلماء فيه ثلاثة أقوال معروفة:
أحدها: أنه نجس كله حتى شَعره، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
والثاني: أنه طاهر حتى ريقه، كقول مالك في المشهور عنه.
والثالث: أن ريقه نجس وأن شعره طاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة المشهور عنه وهذه هي الرواية المنصورة عند أكثر أصحابه، وهي الرواية الأخرى عن الإمام أحمد وهذا أرجح الأقوال.
فإذا أصاب الثوب أو البدن رطوبة شعره، لم ينجس بذلك وإذا ولغ في الماء أريق، وإذا ولغ في اللبن ونحوه، فمن العلماء من يقول: يؤكل ذلك الطعام كقول مالك وغيره.
ومنهم من يقول يراق، كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
فأما إن كان اللبن كثيراً، فالصحيح أنه لا ينجس.
وله في الشعور النابتة على محل نجس ثلاث روايات:
إحداها: أن جميعها طاهر حتى شعر الكلب والجنزير وهو اختيار أبي بكر عبدالعزيز.
والثانية: أن جميعها نجس، كقول الشافعي.
والثالثة: أن شعر الميتة إن كانت طاهرة في الحياة كان طاهراً كالشاة والفأرة، وشعر ما هو نجس في حال الحياة نجس: كالكلب والخنزير، وهذه هي المنصوصة عند أكثر أصحابه.
والقول الراجح: هو طهارة الشعور كلها، شعر الكلب والخنزير وغيرهما، بخلاف الريق، وعلى هذا، فإن كان شعر الكلب رطباً وأصاب ثوب الإنسان، فلا شيء عليه، كما هو مذهب جمهور الفقهاء. كأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى روايتين عنه، وذلك لأن الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بديل، كما قال تعالى: ﴿ وما كان الله لِيضِلَّ قَومًا بَعدَ إذْ هدَاهُمْ حتى يُبيِّنَ لهم ما يتَّقُونَ ﴾ [التوبة: 115] وقال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا من سَأَلَ عن شَيْءٍ لم يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ من أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»(9).
وفي السنن عن سلمان الفارسي رضي الله عنه مرفوعاً ـ ومنهم من يجعله موقوفاً أنه قال: «الْحَلَالُ ما أَحَلَّ الله في كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ ما حَرَّمَ الله في كِتَابِهِ وما سَكَتَ عنه فَهُوَ مِمَّا عَفَا عنه»(10).
وإذا كان كذلك فالنبي ﷺ قال: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إذا وَلَغَ فيه الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وفي الحديث الأخر: «إذا وَلَغَ فيه الْكَلْبُ». فأحاديثه كلها ليس فيه إلا ذكر الولوغ، لم يذكر سائر الأجزاء فتنجيسها إنما هو بالقياس.
فإذا قيل: إن البول أعظم من الريق، كان هذا متوجهاً.
وأما إلحاق الشعر بالريق فلا يمكن، لأن الريق متحلل من باطن الكلب بخلاف الشعر، فإنه نابت على ظهره.
والفقهاء كلهم يفرقون بين هذا وهذا لأن جمهورهم يقول: إن شعر الميتة طاهرً بخلاف ريقها. والشافعي وأكثرهم يقول: إن الزرع النابت في الأرض النجسة طاهر، فغاية شعر الكلب أن يكون نابتاً في منبت نجس، كالزرع النابت في الأرض النجسة فإذا كان الزرع طاهراً فالشعر أولى بالطهارة، لأن الزرع فيه رطوبة ولين يظهر فيه أثر النجاسة بخلاف الشعر فإن فيه من اليبوسة والجمود يمنع ظهور ذلك؛ فمن قال من أصحاب أحمد كابن عقيل وغيره: إن الزرع طاهر فالشعر أولى، ومن قال إن الزرع نجس، فإن الفرق بينهما ما ذكر.
فإن الزرع يلحق بالجَلَّالَةِ التي تأكل النجاسة، وهذا – أيضاً – حجة في المسألة، فإن الجلالة التي تأكل النجاسة، قد نهى النبي ﷺ عن لبنها فإذا أحبست حتى تطيب كانت حلالاً باتفاق المسلمين، لأنها قبل ذلك يظهر أثر النجاسة في لبنها وبيضها وعرقها، فيظهر نتن النجاسة وخبثها، فإذا زال ذلك عادت طاهرة، فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها. والشَّعر لا يظهر فيه شيء من أثار النجاسة أصلاً، فلم يكن لتنجيسه معنى.
وهذا يتبين بالكلام في شعور الميتة كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.
وكل حيوان قيل بنجاسته، فالكلام في شعره وريشه كالكلام في شعر الكلب، فإذا قيل: بنجاسة كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير إلا الهرة، وما دونها في الخلقة، كما هو مذهب كثير من العلماء – علماء أهل العراق – وهو أشهر الروايتين عن أحمد فإن الكلام في ريش ذلك وشعره فيه النزاع: هل هو نجس؟ على روايتين عن أحمد:
إحداهما: أنه طاهر وهو مذهب الجمهور كأبي حنيفة والشافعي والرواية الثانية: أنه نجس كما هو اختيار كثير من متأخري أصحاب أحمد، والقول بطهارة ذلك هو الصواب كما تقدم.
وأيضاً: فالنبي ﷺ رخص في اقتناء كلب الصيد، والماشية والحرث، ولابد لمن اقتناه أن يصيبه رطوبة شعوره كما يصيبه رطوبة البغل والحمار وغير ذلك فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة.
وأيضاً: فإن لعاب الكلب إذا أصاب الصيد لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، لأن النبي ﷺ لم يأمر أحداً بغسل ذلك، فقد عفى عن لعاب الكلب في موضع الحاجة، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة، فدل على أن الشارع راعى مصلحة الخلق وحاجتهم والله أعلم(11).
وسئل عن كلب طلع من ماء فانتفض على شيء فهل يجب تسبيعه؟
فأجاب: الشافعي وأحمد رحمهم الله يجب تسبيعه، ومذهب أبي حنيفة ومالك رحمهم الله لا يجب تسبيعه والله أعلم(12).
ـــــــــــــــــــــ
(1 ) المبسوط (1/48) والبحر الرائق (1/106) والمهذب (1/47) و المجموع (2/523) والأم (7/192) و مغني المحتاج (1/212) و الحاوي الكبير (1/303) وشرح مسلم (3/153) والإنصاف (1/310) والكافي(1/14) والمغني (1/73).
(2 ) المبسوط (1/48).
(3 ) رواه مسلم (279).
(4 ) المجموع (2/523) وشرح مسلم (3/153).
(5 ) حاشية ابن عابدين على الدر المختار (1/362).
(6) البدائع (1/228).
(7) الكافي لابن عبد البر (1/18) والشرح الصغير مع بلغة السالك (1/31) والمجموع (2/523).
(8 ) الاستذكار(1/206).
(9 ) راوه البخاري (7289) ومسلم (2358).
(10 ) رواه الترمذي (1726) وابن ماجة (3367) وحسنه الألباني في صحيح بن ماجه (3358).
(11 ) مجموع الفتاوى (21/616/620).
(12 ) مجموع الفتاوى (21/620).
لا يوجد تعليقات
بسم الله الرحمان الرحيم
سيدي الكريم،
نرى اختلافات عديدة بين الفقهاء ،
وبعد توضيحكم وطرح هذه الخلافات ،
وليس بإمكانكم إقتباس يجمع بين اختلافهم فتفصل فيه ويكون اختيارا معتمدا لمطبقيه الاعتماد عليه تطبيقا سواء في الطهارة والصلاة وغيرها ،
شكرا لكم
نورالدين بنعربية بني درار المغرب