هل يجوز تهنئة أهل الذمة بأعيادهم ؟
تهنئة أهل الذمة في أعيادهم ومناسباتهم:
اتفق فقهاء الأمة على أنه يحرم على المسلم حضور أو تهنئة غير المسلمين بأعيادهم المختصة بشعائر الكفر
واختلفوا هل يكفر بذلك أم لا؟
وإليك نصوص المذاهب الأربعة التي تبين عدم الجواز وقول من يقول بأن من هنأهم بعيدهم يكون كافراً.
أولاً قول الحنفية:
قال في مجمع الأنهر: ويكفر بخروجه إلى نيروز المجوس والموافقة معهم فيما يفعلونه في ذلك اليوم وبشرائه يوم نيروز شيئا لم يكن يشتريه قبل ذلك تعظيما للنيروز لا للأكل والشرب وبإهدائه ذلك اليوم للمشركين ولو بيضة تعظيما لذلك اليوم.
ولا يكفر بإجابة دعوة مجوس وحلق رأس ولده.
ويكفر بوضع قلنسوة المجوس على رأسه على الصحيح إلا لتخليص الأسير أو لضرورة دفع الحر والبرد عند البعض وقيل إن قصد به التشبيه يكفر وكذا شد الزنار في وسطه
وفي البزازية ويحكى عن بعض من الأسالفة أنه يقول ما ذكر من الفتاوى أنه يكفر بكذا وكذا أنه للتخويف والتهديد لا لحقيقة الكفر وهذا كلام باطل وحاشا أن يلعب أمناء الله تعالى أعني علماء الأحكام بالحلال والحرام والكفر والإسلام بل لا يقولون إلا الحق الثابت عند شريعة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. (1)
وقال ابن نجيم الحنفي: ويكفر بخروجه إلى نيروز المجوس والموافقة معهم فيما يفعلون في ذلك اليوم وبشرائه يوم النيروز شيء لم يكن يشتريه قبل ذلك تعظيما للنيروز لا للأكل والشرب وبإهدائه ذلك اليوم للمشركين ولو بيضة تعظيما لذلك اليوم لا بإجابته دعوة مجوسي حلق رأس ولده وبتحسين أمر الكفار اتفاقا حتى قالوا لو قال: ترك الكلام عند أكل الطعام من المجوسي حسن أو ترك المضاجعة حالة الحيض منهم حسن فهو كافر. (2)
وقال الزيلعي: قال : (والإعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز) أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام بل كفر ، وقال أبو حفص الكبير – رحمه الله -: لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز ، وأهدى لبعض المشركين بيضة يريد به تعظيم ذلك اليوم فقد كفر ، وحبط عمله.
وقال صاحب الجامع الأصغر: إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر ، ولم يرد به التعظيم لذلك اليوم ، ولكن على ما اعتاده بعض الناس لا يكفر ، ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة ، ويفعله قبله أو بعده كي لا يكون تشبها بأولئك القوم ، وقد قال رسول الله : «من تشَبَّهَ بقَوْمٍ فهُوَ منهم» .
وقال في الجامع الأصغر: رجل اشترى يوم النيروز شيئا لم يكن يشتريه قبل ذلك إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه المشركون كفر ، وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر. (3)
وقال في الدر المختار:( والإعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز ) أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام ( وإن قصد تعظيمه ) كما يعظمه المشركون ( يكفر ) قال أبو حفص الكبير: لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم أهدى لمشرك يوم النيروز بيضة يريد تعظيم اليوم فقد كفر وحبط عمله اهـ.
ولو أهدى لمسلم ولم يرد تعظيم اليوم بل جرى على عادة الناس لا يكفر وينبغي أن يفعله قبله أو بعده نفيا للشبهة ولو شرى فيه ما لم يشتره قبل.
قال ابن عابدين: قوله والإعطاء باسم النيروز والمهرجان بأن يقال هدية هذا اليوم ومثل القول النية فيما يظهر ط والنيروز أول الربيع والمهرجان أول الخريف وهما يومان يعظمهما بعض الكفرة ويتهادون فيهما قوله ثم أهدى لمشرك الخ.
قال في جامع الفصولين: وهذا بخلاف ما لو اتخذ مجوسي دعوة لحلق رأس ولده فحضر مسلم دعوته فأهدى إليه شيئا لا يكفر.
وحكى أن واحدا من مجوسي سربل كان كثير المال حسن التعهد بالمسلمين فاتخذ دعوة لحلق رأس ولده فشهد دعوته كثير من المسلمين وأهدى بعضهم إليه فشق ذلك على مفتيهم فكتب إلى أستاذه علي السعدي أن أدرك أهل بلدك فقد ارتدوا وشهدوا شعار المجوسي وقص عليه القصة فكتب إليه إن إجابة دعوة أهل الذمة مطلقة في الشرع ومجازاة الإحسان من المروءة وحلق الرأس ليس من شعار أهل الضلالة والحكم بردة المسلم بهذا القدر لا يمكن والأولى للمسلمين أن لا يوافقوهم على مثل هذه الأحوال لإظهار الفرح والسرور . (4)
ثانيا: قول المالكية:
قال ابن الحاج: سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له قال وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له ورآه من تعظيم عيده وعونا له على مصلحة كفره ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئا من مصلحة عيدهم لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من دينهم لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدا اختلف في ذلك انتهى. (5)
وجاء في : “المعيار المعرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب”
تأليف الشيخ أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى بفاس سنة 914هـ
[الاحتفال بفاتح السنة الميلادية]
وسئل أبو الأصبغ عيسى بن محمد التميلي عن ليلة ينير التي يسمونها الناس الميلاد ويجتهدون لها في الاستعداد، ويجعلونها كأحد الأعياد، ويتهادون بينهم صنوف الأطعمة وأنواع التحف والطرف المثوبة لوجه الصلة، ويترك الرجالُ والنساءُ أعمالهم صبيحتها تعظيماً لليوم، ويعدونه رأس السنة أترى ذلك أكرمك الله بدعة محرمة لا يحل لمسلم أن يفعل ذلك، ولا أن يجيب أحداً من أقاربه وأصهاره إلى شيء من ذلك الطعام الذي أعده لها؟ أم هو مكروه ليس بالحرام الصراح؟ أم مستقل؟ وقد جاءت أحاديث مأثورة عن رسول الله في المتشبهين من أمته بالنصارى في نيروزهم ومهرجانهم وأنهم محشورون معهم يوم القيامة.وجاء عنه أيضاً أنه قال: «من تَشَبه بقوم فهو منهم» فبين لنا أكرمك الله ما صح عندك في ذلك إن شاء الله؟
فأجاب : قرأت كتابك هذا ووقفت على ما عنه سألت وكل ما ذكرته في كتابك فمحرم فعله عند أهل العلم. وقد رويت الأحاديث التي ذكرتها من التشديد في ذلك ورويت أيضاً أن يحيى بن يحيى الليثي قال: لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني ولا من مسلم، ولا إجابة الدعوة فيه،ولا استعداد له، وينبغي أن يجعل كسائر الأيام، ورفع فيه حديثاً إلى النبي أنه قال يوماً لأصحابه :«إنكم مستنزلون بين ظهراني عجم فمن تشبه بهم في نيروزهم ومهرجانهم حُشر معهم» قال يحيى وسألت عن ذلك ابن كنانة،وأخبرته حالنا في بلدنا فأنكر وعابه وقال: الذي يثبت عندنا في ذلك الكراهية، وكذلك سمعت مالكا يقول: لقول رسول الله : “من تشبه بقوم حشرمعهم». (6)
ثالثاً: قول الشافعية:
قال الخطيب الشربيني: ويعزر من وافق الكفار في أعيادهم -بأن يفعل ما يفعلونه في يوم عيدهم وهذا حرام (7)-ومن يمسك الحية ويدخل النار ومن قال لذمي يا حاج ومن هنأه بعيده. (8)
وقد نص الإمام ابن حجر الهيتمي على حرمة التشبه بهم في أعيادهم وله تفصيل في ذلك فجعل التشبه بهم على ثلاثة أحوال:
فقال: والحاصل أنه إن فعل ذلك بقصد التشبيه بهم في شعار الكفر كفر قطعا أو في شعار العيد مع قطع النظر عن الكفر لم يكفر ولكنه يأثم وإن لم يقصد التشبيه بهم أصلا ورأسا فلا شيء عليه.
ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته فقال ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون وقد قال :« من تشبه بقوم فهو منهم» بل قال ابن الحاج: لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيا شيئا من مصلحة عيده لا لحما ولا أدما ولا ثوبا ولا يعارون شيئا ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك….ويجب منعهم من التظاهر بأعيادهم ا هـ. (9)
وسئل قاضي القضاة شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني $ عن مسلم قال لذمي في عيد من أعيادهم: عيد مبارك عليك، هل يكفر أم لا؟
فأجاب: إن قاله المسلم للذمي على قصد تعظيم دينهم وعيدهم فإنه يكفر، وإن لم يقصد ذلك، وإنما جرى ذلك على لسانه فلا يكفر لما قاله من غير قصد. (10)
رابعاً: قول الحنابلة:
قال البهوتي: (ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم ) لأنه تعظيم لهم
أشبه السلام.
( وعنه تجوز العيادة ) أي عيادة الذمي ( إن رجي إسلامه فيعرضه عليه
واختاره الشيخ وغيره ) لما روى أنس «أن النبي عاد يهوديا وعرض عليه الإسلام فأسلم فخرج وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه بي من النار» رواه البخاري. ولأنه من مكارم الأخلاق.
وقال ) الشيخ ( ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى ) وغيرهم من الكفار ( وبيعه لهم فيه ) وفي المنتهى لا بيعنا لهم فيه ( ومهاداتهم لعيدهم ) لما في ذلك من تعظيمهم فيشبه بداءتهم بالسلام
( ويحرم بيعهم ) وإجارتهم ( ما يعملونه كنيسة أو تمثالا ) أي صنما ( ونحوه ) كالذي يعملونه صليبا لأنه إعانة لهم على كفرهم وقال تعالى:﴿ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾ و يحرم ( كل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم وهو من التشبه بهم والتشبه بهم منهي عنه إجماعا ) للخبر
( وتجب عقوبة فاعله ). (11)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما أعياد المشركين فجمعت الشبهة والشهوة والباطل ولا منفعة فيها في الدين وما فيها من اللذة العاجلة فعاقبتها إلى ألم فصارت زورا وحضورها شهودها.
وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور لا مجرد شهوده. (12)
وقال أيضا: والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها فإن الأمة قد حذروا مشابهة اليهود والنصارى وأخبروا أن سيفعل قوم منهم هذا المحذور بخلاف دين الجاهلية فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر عند اخترام أنفس المؤمنين عموما ولو لم يكن أشد منه فإنه مثله على ما لا يخفى إذ الشر الذي له فاعل موجود يخالف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضى له قوي. (13)
وقال أيضاً: وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه
أحدها أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه ﴿لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا﴾ وقال:﴿ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ﴾ كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة وشروطه.
وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية وإلى هذا الاختصاص أشار النبي بقوله:« إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا» وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.
وإن شئت أن تنظم هذا قياسا تمثيليا قلت العيد شريعة من شرائع الكفر أو شعيرة من شعائره فحرمت موافقتهم فيها كسائر شعائر الكفر وشرائعه وإن كان هذا أبين من القياس الجزئي
ثم كل ما يختص به ذلك من عبادة وعادة فإنما سببه هو كونه يوما مخصوصا وإلا فلو كان كسائر الأيام لم يختص بشيء وتخصيصه ليس من دين الإسلام في شيء بل هو كفر به.
الوجه الثاني من الاعتبار: أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله لأنه إما محدث مبتدع وإما منسوخ وأحسن أحواله ولا حسن فيه أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس هذا إذا كان المفعول مما يتدين به وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس واللعب والراحة فهو تابع لذلك العيد الديني كما أن ذلك تابع له في دين الإسلام فيكون بمنزلة أن يتخذ بعض المسلمين عيدا مبتدعا يخرجون فيه إلى الصحراء ويفعلون فيه من العبادات والعادات من جنس المشروع في يومي الفطر والنحر أو مثل أن ينصب بنية يطاف بها ويحج إليها ويصنع لمن يفعل ذلك طعاما ونحو ذلك فلو كره المسلم ذلك لكره غير عادته ذلك اليوم كما يغير أهل البدع عاداتهم في الأمور العادية أو في بعضها بصنعهم طعاما أو زينة لباس أو توسيع في نفقة ونحو ذلك من غير أن يتعبدوا بتلك العادة المحدثة كان هذا من أقبح المنكرات فكذلك موافقة هؤلاء المغضوب عليهم والضالين وأشد .
نعم هؤلاء يقرون على دينهم المبتدع والمنسوخ بشرط أن يكونوا مستسرين به والمسلم لا يقر على دين مبتدع ولا منسوخ لا سرا ولا علانية وأما مشابهة الكفار فكمشابهة أهل البدع وأشد
الوجه الثالث من الاعتبار: يدل أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس بل عيدا حتى يضاهى بعيد الله بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه في آخر صوم النصارى من الهدايا والأفراح والنفقات وكسوة الأولاد وغير ذلك مما يصير به مثل عيد المسلمين بل البلاد المصاقبة للنصارى التي قل علم أهلها وإيمانهم قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله على ما حدثني به الثقات ويؤكد صحة ذلك ما رأيته بدمشق وما حولها من أرض الشام مع أنها أقرب إلى العلم والإيمان…. (14)
وقال أيضاً: أعياد الكفار كثيرة مختلفة وليس على المسلم أن يبحث عنها ولا يعرفها بل يكفيه أن يعرف في أي فعل من الأفعال أو يوم أو مكان أن سبب هذا الفعل أو تعظيم هذا المكان والزمان من جهتهم ولو لم يعرف أن سببه من جهتهم فيكفيه أن يعلم أنه لا أصل له في دين الإسلام فإنه إذا لم يكن له أصل فإما أن يكون قد أحدثه بعض الناس من تلقاء نفسه أو يكون مأخوذا عنهم فأقل أحواله أن يكون من البدع
ونحن ننبه على ما رأينا كثيرا من الناس قد وقعوا فيه ….
فمن ذلك ما يفعله كثير من الناس في أثناء الشتاء في أثناء كانون الأول لأربع وعشرين خلت منه ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام فجميع ما يحدث فيه هو من المنكرات مثل إيقاد النيران وإحداث طعام واصطناع شمع وغير ذلك فإن اتخاذ هذا الميلاد عيدا هو دين النصارى وليس لذلك أصل في دين الإسلام ولم يكن لهذا الميلاد ذكر أصلا على عهد السلف الماضين بل أصله مأخوذ عن النصارى وانضم إليه سبب طبيعي وهو كونه في الشتاء المناسب لإيقاد النيران ولأنواع مخصوصة من الأطعمة
ثم إن النصارى تزعم أنه بعد الميلاد بأيام أظنها أحد عشر يوما عمد يحيى عيسى عليهما السلام في ماء المعمودية فهم يتعمدون في هذا الوقت ويسمونه عيد الغطاس وقد صار كثير من جهال النساء يدخلن أولادهن إلى الحمام في هذا الوقت ويزعمن أن هذا ينفع الولد وهذا من دين النصارى وهو من أقبح المنكرات المحرمة
وكذلك أعياد الفرس مثل النيروز والمهرجان وأعياد اليهود أو غيرهم من أنواع الكفار أو الأعاجم والأعراب حكمها كلها على ما ذكرناه من قبل
وكما لا يتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب إجابة دعوته
ومن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم في مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم
وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه
ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك لأن في ذلك إعانة على المنكرات
فأما مبايعتهم ما يستعينون هم به على عيدهم أو شهود أعيادهم للشراء فيها
فقد قدمنا أنه قيل للإمام أحمد هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام مثل طور يابور أو دير أيوب وأشباهه يشهده المسلمون يشهدون الأسواق ويجلبون فيه الغنم والبقر والدقيق والبر وغير ذلك إلا أنه يكون في الأسواق يشترون ولا يدخلون عليهم بيعهم قال إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم وإنما يشهدون السوق فلا بأس…. (15)
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً عمن يفعل من المسلمين مثل طعام النصارى في النيروز ويفعل سائر المواسم مثل الغطاس والميلاد وخميس العدس وسبت النور ومن يبيعهم شيئا يستعينون به على أعيادهم أيجوز للمسلمين أن يفعلوا شيئا من ذلك أم لا؟
فأجاب: الحمد لله لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم فى شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا ايقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك ولا يحل فعل وليمة ولا الاهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الاعياد ولا اظهار زينة.
وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم واما اذا اصابه المسلمون قصدا فقد كره ذلك طوائف من السلف والخلف وأما تخصيصه بما تقدم ذكره فلا نزاع فيه بين العلماء بل قد ذهب طائفة من العلماء إلى كفر من يفعل هذه الأمور لما فيها من تعظيم شعائر الكفر وقال طائفة منهم من ذبح نطيحة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيرا.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص:« من تأسى ببلاد الاعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة» وفى سنن ابى داود عن ثابت بن الضحاك قال « نذَرَ رَجلٌ على عَهدِ رسول اللّهِ أنْ يَنحَرَ إبِلًا بِبوَانَةَ فأَتَى النبي فقال إني نَذَرتُ أنْ أَنحَرَ إبِلًا بِبوَانَةَ فقال النبي هل كان فيها وثَنٌ من أَوثَانِ الْجَاهلِيَّةِ يعْبَدُ قالوا لا قال هل كان فيها عيدٌ من أَعْيَادهِمْ قالوا لا قال رسول اللّهِ أَوفِ بنَذْرِكَ فإنه لا وفَاءَ لنَذْرٍ في مَعْصيَةِ اللّهِ ولافيما لا يَمْلكُ بن آدمَ » (16) فلم يأذن النبى لهذا الرجل أن يوفى بنذره مع أن الاصل فى الوفاء أن يكون واجبا حتى أخبره أنه لم يكن بها عيد من أعياد الكفار وقال : «لا وفَاءَ لنَذْرٍ في مَعْصيَةِ اللّهِ» فإذا كان الذبح بمكان كان فيه عيدهم معصية فكيف بمشاركتهم في نفس العيد بل قد شرط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والصحابة وسائر أئمة المسلمين أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين وإنما يعملونها سرا في مساكنهم فكيف اذا اظهرها المسلمون أنفسهم حتى قال عمر بن الخطاب :«لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السُّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ». (17)
وإذا كان الداخل لفرجة أو غيرها منهيا عن ذلك لأن السخط ينزل عليهم فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم مما هي من شعائر دينهم وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى ﴿ﮎ ﮏ ﮐ قالوا: أعياد الكفار فإذا كان هذا في شهودها من غير فعل فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها
وقد روى عن النبي في المسند والسنن أنه قال :« من تشبه بقوم فهو منهم» وفي لفظ:« ليس منا من تشبه بغيرنا » وهو حديث جيد فاذا كان هذا في التشبه بهم وان كان من العادات فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك.
وقد كره جمهور الأئمة إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالا له فيما أهل به لغير الله وما ذبح على النصب وكذلك نهوا عن معاونتهم على أعيادهم باهداء أو مبايعة وقالوا: انه لا يحل للمسلمين ان يبيعوا للنصارى شيئا من مصلحة عيدهم لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك لأن الله تعالى يقول :﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾
ثم ان المسلم لا يحل له ان يعينهم على شرب الخمور بعصرها أو نحو ذلك فكيف على ما هو من شعائر الكفر وإذا كان لا يحل له ان يعينهم هو فكيف اذا كان هو الفاعل لذلك . (18)
وقال ابن القيم $: فصل في تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك، وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد؛ فأباحها مرة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم: متعك الله بدينك أو نيحك فيه، أو يقول له: أعزك الله أو أكرمك، إلا أن يقول: أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة.
وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول عيد مبارك عليك، أو تهنئ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثًما عند الله وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.
وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء؛ تجنبًا لمقت الله وسقوطهم من عينه، وإن بلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعًا لشر يتوقعه منهم، فمشى إليهم ولم يقل إلا خيرًا ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك، وبالله التوفيق. (19)
وقال ابن القيم في موضع آخر: فصل حكم حضور أعياد أهل الكتاب:
وكما أنهم لا يجوز لهم إظهاره فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه ولا مساعدتهم ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله.
وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم، فقال أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الفقيه الشافعي: ولا يجوز للمسلمين أن يحضروا أعيادهم لأنهم على منكر وزور، وإذا خالط أهل المعروف أهل المنكر بغير الإنكار عليهم كانوا كالراضين به المؤثرين له، فنخشى من نزول سخط الله على جماعتهم فيعم الجميع، نعوذ بالله من سخطه.
ثم ساق من طريق ابن أبي حاتم حدثنا الأشج ثنا عبدالله بن أبي بكر عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة ﴿ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ قال لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم، ونحوه عن الضحاك. (20)
ثم ذكر حديث عبدالله بن دينار عن ابن عمر ﭭ قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَلْعُونِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ» والحديث في الصحيح. (21)
وذكر البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهية الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم عن سفيان الثوري عن ثور ابن يزيد عن عطاء بن دينار قال: قال عمر ﭬ: «لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السُّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ». (22)
وبالإسناد عن الثوري عن عوف عن الوليد أو أبي الوليد عن عبدالله بن عمرو، قال: «مَنْ مَرَّ بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ فَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمَهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». (23)
وقال البخاري في غير الصحيح: قال لي ابن أبي مريم: حدثنا نافع بن يزيد سمع سليمان بن أبي زينب وعمرو بن الحارث سمع سعيد بن سلمة سمع أباه سمع عمر بن الخطاب ﭬ قال: «اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ» ذكره البيهقي.
وذكر بإسناد صحيح عن أبي أسامة حدثنا عوف عن أبي المغيرة عن عبدالله بن عمرو قال: «مَنْ مَرَّ بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ فَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمَهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ، حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وقال أبو الحسن الآمدي: لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود، نص عليه أحمد في رواية مهنا، واحتج بقوله تعالى: ﴿ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ قال الشعانين وأعيادهم.
وقال الخلال في الجامع: باب في كراهية خروج المسلمين في أعياد المشركين، وذكر عن مهنا قال: سألت أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام، مثل دير أيوب وأشباهه يشهده المسلمون يشهدون الأسواق ويجلبون فيه الضحية والبقر والبر والدقيق وغير ذلك يكونون في الأسواق ولا يدخلون عليهم بيعهم؟
قال: إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم وإنما يشهدون السوق فلا بأس.
وقال عبدالملك بن حبيب: سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم، فكره ذلك مخافة نزول السخطة عليهم بشركهم الذين اجتمعوا عليه.
قال: وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له، ورآه من تعظيم عيده وعونا له على كفره، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا أدمًا ولا ثوبًا، ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره، لم أعلمه اختلف فيه، هذا لفظه في الواضحة. (24)
وفي كتب أصحاب أبي حنيفة: من أهدى لهم يوم عيدهم بطيخة بقصد تعظيم العيد فقد كفر. (25)
========================================================================================================
(1) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/513) وينظر الفتاوى الهندية (2/277).
(2) البحر الرائق (5/133).
(3) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (6/228) والبحر الرائق (8/555).
(4) حاشية رد المحتار على الدر المختار(6/754، 755).
(5) المدخل(2/47، 48).
(6)نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للملكة المغربية سنة 1401هـ -1981م (ج1/ ص: 180).
(7) حاشية البيجيرمي على الخطيب(5/21).
(8)مغني المحتاج(4/194) والإقناع(2/526).
(9) الفتاوى الفقهية الكبرى(4/239).
(10) مواهب الجليل (6/289).
(11) كشاف القناع (3/131) وينظر: المبدع(7/190) والفروع(5/235).
(12) اقتضاء الصراط المستقيم(1/183).
(13) اقتضاء الصراط المستقيم(1/186).
(14)اقتضاء الصراط المستقيم(1/207، 209).
(15) اقتضاء الصراط المستقيم (1/225، 228).
(16) رواه أبو داود(1/3313) وصححه الألباني في صحيح أبي داود(2834) وقال: ( بوانة : موضع وراء ينبع . وفي أسفل مكة مكان بهذا الاسم وليس هو المقصود ).
(17) أخرجه البيهقي في الكبرى (9234).
(18) مجموع الفتاوى(25/329، 332).
(19) أحكام أهل الذمة (1/161، 162).
(20) انظر تفسير ابن أبي حاتم (8/2737)رقم (15453).
(21) أخرجه البخاري (4/1609) ح (4158) ومسلم في صحيحه (4/2285) ح (2980) بلفظ: «لَا تَدْخُلُوا على هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لم تَكُونُوا بَاكِينَ فلا تَدْخُلُوا عليهم أَنْ يصيبنكم مِثْلُ ما أَصَابَهُمْ».
(22) أخرجه البيهقي في الكبرى (9234).
(23) أخرجه البيهقي في الكبرى (9234).
(24) انظر: المدخل لابن الحاج (2/47).
(25) أحكام أهل الذمة (2/188، 189) وانظر: مجموع الفتاوى (25/327) واقتضاء الصراط المستقيم (1/182، 201) والآداب الشرعية (3/416).