حكم قضاء الحاجة في الماء
رقم الفتوى (33)
حكم قضاء الحاجة في الماء
السؤال:
ما حكم قضاء الحاجة في الماء؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الصحيح أنه يحرم قضاء الحاجة في الماء القليل الراكد، ويكره إذا كان الماء كثيراً جارياً، وإليك التفصيل في المسألة من أقوال الفقهاء:
ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يكره قضاء الحاجة في الماء، وأن الكراهة هنا تحريمية وإن كان الماء راكدًا؛ لحديث جابر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ: «أَنَّهُ نهى أَنْ يُبَالَ في الْمَاءِ الرَّاكِدِ»(1) ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لَا تَبُلْ في الْمَاءِ الدَّائِمِ الذي لَا يَجْرِي ثُمَّ تَغْتَسِلُ منه»(2).
وتكون الكراهة تنزيهية إن كان الماء جاريًا.
قال ابن عابدين رحمه الله: والمعنى فيه أنه يقذره وربما أدى إلى تنجسه.
وأما الراكد القليل فيحرم البول فيه؛ لأنه ينجسه ويتلف ماليته ويُغْرِ غيره باستعماله، والتغوط في الماء أقبح من البول، وكذا لو بال في إناء ثم صبه في الماء، أو بال بجوار النهر فجرى إليه فكله مذموم قبيح منهي عنه(3).
وقال الحطاب رحمه الله: قال القاضي عياض «من المالكية»: النهي الوارد من الحديث هو نهي كراهة وإرشاد، وهو في القليل أشد لأنه يفسده. وقيل النهي للتحريم؛ لأن الماء قد يفسد لتكرر البائلين ويظن المار أنه قد تغير من قراره، ويلحق بالبول التغوط وصب النجاسة.أهـ
وقال ابن ناجي في شرح المدونة: الجاري على أصل المذهب أن الكراهة على التحريم في القليل إذ قد يتغير فيظن أنه من قراره(4).
وقال الشافعية والحنابلة: يكره البول في الماء الراكد قليلاً كان أو كثيرًا للحديث.
قال البهوتي رحمه الله: ويكره بوله في ماء راكد ـ للخبرـ وقليل جار؛ لأنه يفسده وينجسه ولعلهم لم يحرموه؛ لأن الماء غير متمول عادة أو لأنه يمكن تطهيره بالإضافة (5).
وأما الماء الجاري: فقال النووي رحمه الله: فإن كان الماء كثيرًا جاريًا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث ولكن الأولى اجتنابه، وإن كان قليلاً جاريًا فقد قال جماعة من أصحابنا يكره، والمختار أنه يحرم لأنه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي وغيره، ويغر غيره فيستعمله مع أنه نجس، وإن كان الماء كثيرًا راكدًا فقال أصحابنا: يكره ولا يحرم، ولو قيل يحرم لم يكن بعيدًا فإن النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول، وفيه من المعنى أنه يقذره وربما أدى إلى تنجيسه بالإجماع لتغيره…وأما الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه، والصواب المختار أنه يحرم البول فيه؛ لأنه ينجسه ويتلف ماليته ويغر غيره باستعماله.
ثم قال الإمام النووي رحمه الله: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح، وكذلك إذا بال في إناء ثم صبه في الماء، وكذلك إذا بال بقرب النهر بحيث يجري إليه البول فكله مذموم قبيح منهي عنه على التفصيل المذكور، ولم يخالف في هذا أحد من العلماء، إلا ما حكي عن داود بن علي الظاهري أن النهي مختص ببول الإنسان بنفسه وأن الغائط ليس كالبول، وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب الماء، وهذا الذي ذهب إليه خلاف إجماع العلماء، وهو أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر، والله أعلم.
قال العلماء: ويكره البول والتغوط بقرب الماء وإن لم يصل إليه لعموم نهي النبي ﷺ عن البراز في الموارد ولما فيه إيذاء المارين بالماء، ولما يخاف من وصوله إلى الماء والله أعلم(6).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم(281).
(2) رواه البخاري (239) ومسلم(282).
(3) حاشية ابن عابدين (1/555) وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح(1/35).
(4) مواهب الجليل(1/276).
(5) كشاف القناع(1/62).
(6) شرح مسلم (3/156/157) وكشاف القناع (1/62) والمغني (1/210) والمجموع(2/112).
الفتوى بصيغة الفيديو