حكم المسح على العمامة والخمار
الفتوى رقم (76)
حكم المسح على العمامة والخمار
السؤال:
هل يجوز المسح على العمامة أو على الخمار؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
اختلف الفقهاء في حكم جواز المسح على العمامة والخمار في الوضوء، هل يجوز أم لا؟
والصحيح جواز المسح على العمامة والخمار عند الضرورة، كأن تتوضأ المرأة في مكان لا يمكنها كشف شعرها فيه وليس لها سبيل في أن تمسح شعرها، أو رجلٌ عصب على رأسه عمامة يشق عليه نزعها لمسح رأسه ونحو ذلك، فإذا دعت إليه الضرورة جاز المسح على العمامة والخمار.
وتفصيل أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم جواز المسح على العمامة ولا الخمار؛ لقوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: 6]. والعمامة ليست برأس، وحقيقته -أي المسح- تقتضي إمساسه الماء ومباشرته، وماسح العمامة غير ماسح برأسه فلا تجزئه صلاته إذا صلى بها؛ ولأنه عضو طهارته المسح فلم يجز المسح على حائل دونه كالوجه واليد في التيمم فإنه مجمع عليه، ولأنه عضو لا تلحق المشقة في إيصال الماء إليه غالباً فلم يجز المسح على حائل منفصل عنه كاليد في القفاز والوجه في البرقع والنقاب.
القول الثاني: ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى جواز المسح على العمامة والخمار، وهذا هو الصحيح كما تقدم؛ لحديث المغيرة بن شعبة أن النبي ﷺ: «تَوَضَّأَ وَمَسَحَ على الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ»(1)، وفي مسلم أن النبي ﷺ: «مَسَحَ على الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ»(2).
قال الإمام أحمد رحمه الله: هو من خمسة وجوه عن النبي ﷺ، ولأنه حائل في محل ورد الشرع بمسحه فجاز المسح على حائله كالقدمين، والآية لا تنفي ما ذُكر، فإن النبي ﷺ مبين لكلام الله مفسر له وقد مسح على العمامة وأمر بالمسح عليها، وهذا يدل على أن المراد بالآية المسح على الرأس أو حائله، واحتجوا على ذلك أيضاً بفعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، قالوا: لو لم يثبت الحديث عن النبي ﷺ فيه لوجب به لقول النبي ﷺ «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» ولقوله ﷺ: «إِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ أَرْشَدُوا» ولقوله ﷺ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بَعْدِي»، وقالوا: ولا يجوز أن يجهل مثل هؤلاء فرض مسح الرأس وهو مذكور في كتاب الله، فلولا بيان النبي ﷺ لهم ذلك وإجازته ما تركوا ظاهر الكتاب والسنة.
وقالوا: وليس في اعتلال من اعتل بأن النبي ﷺ حسر العمامة عن رأسه ومسح رأسه دفعاً لما قلنا؛ لأن المسح على العمامة ليس بفرض لا يجزئ غيره، ولكن المتطهر بالخيار، إن شاء مسح برأسه وإن شاء على عمامته، كالماسح على الخفين المتطهر بالخيار، إن شاء غسل رجليه وإن شاء مسح على خفيه.
وليس في إنكار مَنْ أنكر المسح على العمامة حجة؛ لأن أحداً لا يحيط بجميع السنن، ولعل الذي أنكر ذلك لو علم بالسنة لرجع إليها، بل غير جائز أن يظن مسلم ليس من أهل العلم غير ذلك، فكيف مَنْ كان من أهل العلم؟ ولا يجوز أن يظن بالقوم غير ذلك، وكما لا يضر إنكار مَنْ أنكر المسح على الخفين، كذلك لا يوهن تخلف من تخلف عن القول بإباحة المسح على العمامة.
إلا أن الحنابلة شرطوا لجواز المسح على العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه، كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس فإنه يعفى عنه، فإن كانت تحت العمامة قلنسوة يظهر بعضها فالظاهر جواز المسح عليها؛ لأنهما صارا كالعمامة الواحدة.
ومن شروط جواز المسح عليها أيضاً: أن تكون على صفة عمائم المسلمين بأن يكون تحت الحنك منها شيء؛ لأن هذا عمائم العرب، وهي أكثر ستراً من غيرها ويشق نزعها، فيجوز المسح عليها، سواء كان لها ذؤابة أو لم يكن، وسواء كانت صغيرة أم كبيرة.
وإن لم يكن تحت الحنك منها شيء ولا لها ذؤابة لم يجز المسح عليها، لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا يشق نزعها.
وإذا كان بعض الرأس مكشوفاً مما جرت العادة بكشفه استحب أن يمسح عليه مع العمامة، نص عليه الإمام أحمد؛ لأن النبي ﷺ مسح على عمامته وناصيته في حديث المغيرة ابن شعبة.
وهل الجمع بينهما واجب؟ وجهان عند الحنابلة.
ثم إنه إن نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته، نص عليه الإمام أحمد، ولا يجوزُ للمرأة إنْ لبستْ عمامةً المسحُ عليها ولو لبستها لضرورة على الصحيح من المذهب.
إلا أن المالكية قالوا: إن خيف ضرر بسبب نزع العمامة من على الرأس ولم يمكنه حلها يجوز المسح عليها، وإن قدر على مسح بعض الرأس مباشرة مسحه وكمل على العمامة وجوباً على المعتمد(3) .
وقال الحنفية كما قال في البحر الرائق لابن نجيم(4): ولو مسحت على خمارها ونفذت البلة إلى رأسها حتى ابتل قدر الربع منه يجوز إذا كان الخمار جديداً؛ لأن ثقوب الجديد لم يسد بالاستعمال فتنفذ البلة، أما إذا لم يكن جديداً لا يجوز لانسداد ثقوبه.
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه الترمذي (100) وقال حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
(2) رواه مسلم(275).
(3) رد المحتار (1/457) والبحر الرائق(1/193) وأحكام القرآن للجصاص(3/357) والاستذكار (1/11) والموطأ (1/44) ومواهب الجليل (1/207) وحاشية الدسوقي(1/263) والأوسط (1/468/472) وبداية المجتهد (1/34) والأم (1/26) والمجموع(1/464/466) ومغني المحتاج (1/176) والمغني (1/385/387) والإنصاف(1/185) وفتح الباري(1/369) وشرح مسلم للنووي(3/142) والتحقيق لابن الجوزي(1/121) والفتاوى الكبرى(1/54).
(4)(1/193).
الفتوى بصيغة فيديو: https://www.youtube.com/watch?v=EMWf_aKmB_c