الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب أم سنة؟
الفتوى رقم (80)
الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب أم سنة؟
السؤال:
هل يصح الوضوء ممن لم يرتب بين أعضاء الوضوء أم لا يصح منه وعليه أن يعيد؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
اختلف الفقهاء في حكم الترتيب بين أعضاء الوضوء، هل هو واجب أم سنّة؟ وهل يجوز للمتوضئ أن يقدم عضو على عضو كاليدين على الوجه أو الرجلين على اليدين ؟ على قولين:
القول الأول: ذهب المالكية في قولٍ والشافعية في المذهب والحنابلة في المذهب -وهذا القول هو الصحيح- إلى أن الترتيب في أعضاء الوضوء فرضٌ، فلو نَكَّسَ وضوءه عامداً أو ناسياً لم يجزئه، ولا تجزئه صلاته حتى يكون وضوءه على نسق الآية.
واحتجوا على ذلك بالآية وقالوا: أن فيها دلالتان:
إحداهما: أن الله تعالى ذكر ممسوحاً بين مغسولات، وعادة العرب إذا ذكرت أشياء متجانسة وغير متجانسة جمعت المتجانسة على نسق ثم عطفت غيرها، لا يخالفون ذلك إلا لفائدة، فلو لم يكن الترتيب واجباً لمَا قطع النظر عن نظيره.
فإن قيل: فائدته استحباب الترتيب فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن الأمر للوجوب على المختار، وهو مذهب جمهور الفقهاء.
والثاني: أن الآية بيان للوضوء الواجب لا للمسنون، فليس فيها شيء من سنن الوضوء.
الدلالة الثانية: أن مذهب العرب إذا ذكرت أشياء وعطفت بعضها على بعض تبتدئ الأقرب فالأقرب، لا يخالف ذلك إلا لمقصود؛ فلما بدأ سبحانه بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين دل على الأمر بالترتيب، وإلا لقال فاغسلوا وجوهكم وامسحوا بِرُؤوسِكُمْ واغسلوا أيديكم وأرجلكم.
واحتجوا أيضاً من السنة بالأحاديث الصحيحة المستفيضة عن جماعات من الصحابة في صفة وضوء النبي ﷺ، فكلهم وصفوه مرتباً مع كثرتهم وكثرة المواطن التي رأوه فيها وكثرة اختلافهم في صفاته مرة ومرتين وثلاث وغير ذلك، ولم يثبت فيه مع اختلاف أنواعه صفة غير مرتبة، وضعفوا الحديث الوارد في ذلك وفعله ﷺ بيان للوضوء المأمور به، ولو جاز ترك الترتيب لترَكه في بعض الأحوال؛ لبيان الجواز كما ترك التكرار في أوقات، ولأن الوضوء عبادة تشتمل على أفعال مغايرة يرتبط بعضها ببعض فوجب فيها الترتيب كالصلاة والحج.
القول الثاني: ذهب الحنفية والمالكية في المشهور والمزني وابن المنذر وأبو نصر البندنيجي من الشافعية والإمام أحمد في رواية إلى أن الترتيب سنة مؤكدة من سنن الوضوء وليس واجباً من واجباته، فلو غسل ذراعيه أو رجليه قبل أن يغسل وجهه أو قَدَّمَ غُسْلَ رِجليه قبل غُسل يديه أو مَسَحَ رأسَه قبل غُسْلِ وجهِه عمداً أو غيرَ عمدٍ فذلك يجزئه إذا أراد بذلك الوضوء الصلاة.
وحجتهم أن الواو في الآية لا تقتضي الترتيب، فكيفما غسل المتوضئ أعضاءه كان ممتثلاً للأمر.
ولأن ابن عباس رضي الله عنهما روى أن النبي ﷺ: «توضأ فغسل وجهه ثم يديه ثم رجليه ثم مسح رأسه»(1).
ولأنها طهارة فلم يجب فيها ترتيب كالجنابة، وكتقديم اليمين على الشمال، والمرفق على الكعب، ولأنه لو اغتسل المحدث دفعة واحدة ارتفع حدثه، فدل على أن الترتيب لا يجب.
وقال الإمام مالك رحمه الله: يستحب لمَن نَكَّسَ وضوءَه ولم يُصَلِّ أن يستأنف الوضوء على نسق الآية ثم يصلي، فإن صلى ثم ذكر ذلك لم نأمره بإعادة الصلاة، لكنه يستحب له استئناف الوضوء على النسق لمَا يستقبل، ولا يكون ذلك واجباً عليه(2).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكره ابن الجوزي في التحقيق(1/127) وقال: لا يصح، وضعفه النووي في المجموع(1/508) وقال الصنعاني في سبل السلام(1/77): لا تعرف له طريق صحيحة حتى يتم به الاستدلال.
(2) رد المحتار(1/244) والبدائع(1/91) والبحر الرائق(1/28) وأحكام القرآن للجصاص(3/370) والاستذكار(1/143/147) وبداية المجتهد(1/38) وحاشية الدسوقي(1/160) ومواهب الجليل(1/250) وتفسير القرطبي(3/368/469) والمجموع(1/504/508) وكفاية الأخيار(66) ومغني المحتاج(1/161) والمغني(1/172) والإنصاف (1/138) ومجموع الفتاوى(21/407) وما بعدها. وتفسير ابن كثير(2/26) والتحقيق لابن الجوزي(1/124).
الفتوى بصيغة فيديو: https://www.youtube.com/watch?v=HNz0jdqLe4k