هل لمس الذكر ينقض الوضوء أم لا؟
الفتوى رقم (96)
هل لمس الذكر ينقض الوضوء أم لا؟
السؤال:
هل لمس الذكر ينقض الوضوء أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
اتفق الفقهاء على أن من مَسَّ فرجه بغير يده من أعضائه أنه لا ينقض وضوؤه.
ثم اختلفوا إذا مسه بباطن كفه على ثلاثة مذاهب، وإن كان الصحيح منها أن مس الذكر ينقض الوضوء إذا كان اللمس مقصوداً وبشهوة، ولا ينقض إذا كان بغير شهوة.
وهذا بيان مذاهب العلماء في ذلك
المذهب الأول: ذهب الحنفية والإمام أحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر بل يستحب فقط؛ لحديث طلق بن علي رضي الله عنه قال: «قَدِمْنَا على نَبِيِّ الله ﷺ فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فقال: يا نَبِيَّ الله ما تَرَى في مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ ما يَتَوَضَّأُ» وفي رواية: «فِي الصَّلاةِ» فقال له النبي ﷺ: «وَهَلْ هُوَ إِلا مُضْغَةٌ مِنْكَ أَوْ قَالَ بَضْعَةٌ مِنْكَ»(1).
قالوا: ولأنه عضو منه فكان كسائر جسده كمن مس فخذه أو أنفه، أو رجله.
وقالوا: لكن يستحب خروجاً من الخلاف(2).
المذهب الثاني: ذهب الشافعية والحنابلة في المذهب والمالكية في الأشهر -كما سيأتي مفصلاً- إلى أن من مس فرجه بيده انتقض وضوءه؛ لما روت بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «من مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»(3).
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ»(4).
وما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «أَيُّمَا رَجُلٍ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ»(5).
وما روته أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رَسُولَ الله ﷺ يقول: «من مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»(6).
وقالوا: إن حديث طلق لو صح لكان حديث أبي هريرة ومن معه مقدماً عليه؛ لأن طلقاً قدم المدينة وهم يبنون المسجد فذكر الحديث وفيه قصة مس الذكر وأبو هريرة أسلم عام خيبر بعد ذلك بست سنين وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمره ﷺ.
وقالوا: إن حديث طلق مبقٍ على الأصل، وحديث بسرة ناقل والناقل مقدم، لأن أحكام الشارع ناقلة عما كانوا عليه.
وقالوا: إن رواة النقض أكثر وأحاديثه أشهر، فإنه من رواية بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهم جميعاً.
وأيضاً: فإنه قد ثبت الفرق بين الذَكَر وسائر الجسد في النظر والحس فثبت عن رسول الله ﷺ: «أنه نهى أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ» فدل على أن الذكر لا يشبه سائر الجسد ولهذا صان اليمين عن مسه، فدل على أنه ليس بمنزلة الأنف والفخذ والرجل، فلو كان كما قال المانعون إنه بمنزلة الإبهام واليد والرجل لم ينه عن مسه باليمين، ولأن قياس الذكر أيضاً على سائر البدن لا يستقيم؛ لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك.
وقالوا أيضاً: إن حديث طلق محمول على المس فوق حائل؛ لأنه قال سألته عن مس الذكر في الصلاة، والظاهر أن الإنسان لا يمس الذكر في الصلاة بلا حائل.
ولا فرق عند الشافعية والحنابلة في قول بين أن يمسه عامداً أو غير عامد.
وفي رواية عن الإمام أحمد وهو قول للمالكية لا ينتقض الوضوء إلا بمسه قاصداً مسه.
قال أحمد بن الحسين: قيل لأحمد: الوضوء من مس الذكر؟ فقال: هكذا -وقبض على يده- يعني إذا قبض عليه(7).
المذهب الثالث: مذهب المالكية.
قال ابن عبد البر رحمه الله: واضطرب قول مالك في إيجاب الوضوء منه -أي من مس الذكر- واختلف مذهبه فيه والذي تقرر عليه المذهب عند أهل المغرب من أصحابه أنه من مس ذكره أمره بالوضوء ما لم يُصَلِ، فإن صَلَّى أمره بالإعادة في الوقت، فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه.
واختلف أصحابه وأتباعه على أربعة أقوال:
فمنهم من لم ير على من مس ذكره وضوءاً ولا على من صلى بعد أن مسه إعادة صلاته في وقت ولا غيره وممن ذهب إلى هذا سحنون والعتقي.
ورأى الإعادة في الوقت ابن القاسم وأشهب ورواية عن ابن وهب.
ومنهم من رأى الوضوء عليه واجباً ورأى الإعادة على من صلى بعد أن مسه الوقت وبعده منهم أصبغ بن الفرج وعيسى بن دينار، وهو مذهب ابن عمر؛ لأنه أعاد منه صلاة الصبح بعد طلوع الشمس وهو قول الشافعي.
وأما إسماعيل ابن إسحاق وأصحابه البغداديون المالكييون كابن كبير وابن المنتاب، وأبي الفرج الآبهري فإنهم اعتبروا في مسه وجود اللذة كلامس النساء عندهم فإن التذَّ الذي مس ذكره وجب عليه الوضوء، وإن صلى -وقد مسه- قبل أن يتوضأ أعاد الصلاة أبداً وإن خرج الوقت، وإن لم يلتذ بمسه فلا شيء عليه، وهذا قول رابعٌ ومن ذهب إلى هذا سَوَّى بين باطن الكف وظاهرها(8).
وقال المالكية في الصحيح والشافعية: لا ينتقض لمسه إلا بباطن الكف؛ لأن ظاهر الكف ليس بآلة اللمس، فأشبه ما لو مسه بفخذه.
وقال الحنابلة: لا فرق بين ظاهر الكف وباطنه؛ لقول النبي ﷺ: «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ»، وظاهر كفه من يده، والإفضاء اللمس من غير حائل؛ ولأنه جزء من يده تتعلق به الأحكام المتعلقة على مطلق اليد، فأشبه باطن الكف(9)
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود(181/182) والترمذي(85) والنسائي(165) وابن ماجه(483) وأحمد(4/22) وابن حبان في صحيحه(3/403) وغيرهم وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود(167).
(2) البحر الرائق(1/45) وفتح القدير(1/55) وحاشية الطحطاوي(1/61) ورد المحتار(1/278) والمغني(1/228) والإنصاف(1/202) والاختيارات(28) والمبسوط(1/66).
(3)رواه أبو داود(180) والترمذي(82) والنسائي(447) وابن ماجه(479) وأحمد(6/406) وغيرهم وصححه الألباني في صحيح أبي داود(166).
(4) رواه الشافعي في مسنده(1/12) وأحمد(2/333) والدارقطني(1/47) والبيهقي في الكبرى(1/130) وابن حبان في صحيحه(3/401) وصححه الألباني في صحيح الجامع(362).
(5)رواه الإمام أحمد(2/223) والدارقطني(1/147) وابن الجارود في المنتقى(1/18) والبيهقي في الكبرى(1/132) وصححه الألباني في صحيح الجامع(2725).
(6)رواه ابن ماجه(481) والبيهقي في الكبرى(1/130) وابن أبي شيبة(1/150) وصححه الألباني في صحيح الجامع(6555) وهو مروي أيضاً من حديث أبي أيوب.
(7)المجموع(2/45/55) والمغني(1/228/230) والإنصاف(1/202) وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود(1/212/214) ومغني المحتاج(1/35) والإفصاح(1/79) والأوسط لابن المنذر(1/194) وما بعدها. والاستذكار(1/250) والكافي لابن عبد البر(1/12) والإفصاح(1/79).
(8)الاستذكار(1/249/250) ومواهب الجليل(1/300/6/433) والكافي(1/12) وبداية المجتهد(1/65/66).
(9)الاستذكار(1/249) والمجموع(2/245) والمغني(1/230).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/4vOeZcbOFQY