هل لمس النساء ينقض الوضوء أم لا؟
الفتوى رقم(100)
هل لمس النساء ينقض الوضوء أم لا؟
السؤال
هل لمس النساء ينقض الوضوء أم لا؟ وهل هو مقيد بحصول الشهوة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
اختلف الفقهاء في حكم لمس النساء، هل ينقض الوضوء مطلقاً؟ أم لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان لشهوة أم لغير شهوة؟ أم لا ينقض إلا إذا كان لشهوة؟ على ثلاثة مذاهب، الصحيح منها أن لمس النساء إذا كان بشهوة ينقض الوضوء وإذا كان بغير شهوة فلا ينقض، للأحاديث الواردة في الباب وجمعاً بين النصوص، وإلى هذا ذهب المالكية والحنابلة في المشهور عندهما، كما سيأتي.
وإليك تفصيل الفقهاء في المسألة:
ذهب الإمام أبو حنيفة وأحمد في رواية إلى أن لمس النساء لا ينقض الوضوء مطلقاً، إلا أن يباشرها مباشرة بالغة وينتهي إلى ما دون الإيلاج؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أَنَامُ بين يدي النبي ﷺ ورجلي في قِبْلَتِهِ فإذا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غمزني فَقَبَضْتُ رجلي فإذا قام بَسَطْتُهَا»(1).
وعنها أنه ﷺ: «قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ ولم يَتَوَضَّأْ»(2).
ولما روى أبو أمامة رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا رسول الله ﷺ في الْمَسْجِدِ، وَنَحْنُ قُعُودٌ معه، إِذْ جاء رَجُلٌ، فقال: يا رَسُولَ الله إني أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ علىَّ. فَسَكَتَ عنه رسول الله ﷺ ثُمَّ أَعَادَ فقال: يا رَسُولَ الله إني أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ علىَّ. فَسَكَتَ عنه، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فلما أنصرف نَبِيُّ الله ﷺ قال أبو أُمَامَةَ: فَاتَّبَعَ الرَّجُلُ رَسُولَ الله ﷺ حين انْصَرَفَ، وأتبعت رَسُولَ الله ﷺ أَنْظُرُ ما يَرُدُّ على الرَّجُلِ، فَلَحِقَ الرَّجُلُ رَسُولَ الله ﷺ فقال يا رَسُولَ الله إني أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ علىَّ. قال أبو أُمَامَةَ: فقال له رسول الله ﷺ: «أَرَأَيْتَ حين خَرَجْتَ من بَيْتِكَ أَلَيْسَ قد تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ؟ قال: بَلَى يا رَسُولَ الله. قال: ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا؟ فقال: نعم يا رَسُولَ الله. قال: فقال له رسول الله ﷺ: فإن اللَّهَ قد غَفَرَ لك حَدَّكَ أو قال ذَنْبَكَ»(3).
وفي رواية عن عبد اللّهِ قال: جاء رجُلٌ إلى النبي ﷺ فقال: يا رسُولَ اللّهِ إني عالَجْتُ امْرأَةً في أقْصَى الْمَدينَةِ وَإنِّي أصَبْتُ منها ما دونَ أنْ أمَسَّهَا فأَنَا هذا فاقْضِ فيَّ ما شئْتَ فقال له عُمرُ: لقد ستَرَكَ الله لو سَتَرتَ نَفسَكَ قال فلم يرُدَّ النبي ﷺ شيئا فقَامَ الرّجُلُ فَانطَلَقَ فَأَتبَعَهُ النبي ﷺ رجُلًا دعَاهُ وتَلَا عليه هذه الآيَةَ (وأقم الصّلَاةَ طرَفَيْ النّهَارِ وزُلَفًا من اللَّيلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبْنَ السّيِّئَاتِ ذلك ذِكرَى لِلذّاكِرِينَ) فقال رجُلٌ من القَوْمِ: يا نبِيَّ اللّهِ هذا له خاصَّةً؟ قال: بلْ لِلنّاسِ كافَّةً (4).
ولأن اللمس ليس بحدث في نفسه ولا سببٍ لوجود الحدث غالباً فأشبه مس الرجل الرجل والمرأة المرأة، ولأن مس أحد الزوجين صاحبه مما يكثر وجوده؛ فلو جعل حدثاً لوقع الناس في الحرج.
وأما آية:﴿أَوْلامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾[النساء 34] فقد نُقل عن ابن عباس رضي الله عنه أن المراد من اللمس: هو الجماع، وهو ترجمان القرآن.
ولأن الوجوب من الشرع، ولم يرد بهذا شرع، ولا هو في معنى ما ورد الشرع به(5).
وذهب الشافعية والإمام أحمد في رواية إلى أن لمس النساء بلا حائل ينقض الوضوء بكل حال، سواء كان لشهوة أو لغير شهوة؛ لقوله تعالى: ﴿أَوْلامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾[النساء 34] وحقيقة اللمس ملاقاة البشرتين، قال الله تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا: ﴿َأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ [الجن 8] وقال الشاعر: «لَمَسْتُ بكَفِّي كَفّه ابْتَغِي الغِنَى» وقرأها ابن مسعود رضي الله عنه: ﴿أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ سورة النساء 34.
وقال الإمام الشافعي في مسنده: أخبرنا مالك عن بن شهاب عن سالم عن أبيه قال: «قبلة الرجل امرأته أو جسها بيده من الملامسة، فمن قبّل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء»(7).
وذهب المالكية والإمام أحمد في المشهور عنه إلى أن اللمس إن كان لشهوة نقض وإلا فلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مسألة: في لمس النساء هل ينقض الوضوء أم لا؟
الجواب: الحمد لله، أما نقض الوضوء بلمس النساء فللفقهاء فيه ثلاثة أقوال، طرفان ووسط: أضعفها: أنه ينقض باللمس، وإن لم يكن لشهوة إذا كان الملموس مظنة للشهوة، وهو قول الشافعي تمسكًا بقوله تعالى: {أَوْلامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43] وفي القراءة الأخرى ﴿أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [ النساء 34]
القول الثاني: أن اللمس لا ينقض بحال، وإن كان لشهوة كقول أبي حنيفة وغيره، وكلا القولين يذكر رواية عن أحمد، لكن ظاهر مذهبه كمذهب مالك، والفقهاء السبعة: أن اللمس إن كان لشهوة نقض، وإلا فلا، وليس في المسألة قول متوجه إلا هذا القول أو الذي قبله.
فأما تعليق النقض بمجرد اللمس فهذا خلاف الأصول، وخلاف إجماع الصحابة، وخلاف الآثار وليس مع قائله نص ولا قياس، فإن كان اللمس في قوله تعالى: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾[ النساء 34] إذا أريد به اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك -كما قاله ابن عمر وغيره- فقد علم أنه حيث ذكر مثل ذلك في الكتاب والسنة فإنما يراد به ما كان لشهوة، مثل قوله في آية الاعتكاف: ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ﴾ [البقرة 187] ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه بخلاف المباشرة لشهوة.
وكذلك المحرم -الذي هو أشد- لو باشر المرأة لغير شهوة لم يحرم عليه ولم يجب عليه به دم.
وكذلك قوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾[الأحزاب:49] وقوله: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة:237]، فإنه لو مسها مسيساً خالياً من غير شهوة لم يجب به عدة، ولا يستقر به مهر، ولا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء، بخلاف ما لو مس المرأة لشهوة ولم يخلُ بها ولم يطأها ففي استقرار المهر بذلك نزاع معروف بين العلماء في مذهب أحمد وغيره.
فمن زعم أن قوله: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء43] يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم، فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة علم أنه مس الشهوة، كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم.
وأيضاً: فإنه لا يقول: إن الحكم معلق بمس النساء مطلقاً، بل بصنف من النساء وهو ما كان مظنة الشهوة، فأما مس من لا يكون مظنة كذوات المحارم والصغيرة فلا ينقض بها فقد ترك ما ادعاه من الظاهر واشترط شرطًا لا أصل له بنص ولا قياس، فإن الأصول المنصوصة تفرق بين اللمس لشهوة واللمس لغير شهوة لا تفرق بين أن يكون الملموس مظنة الشهوة أو لا يكون وهذا هو المس المؤثر في العبادات كلها كالإحرام والاعتكاف والصيام وغير ذلك، وإذا كان هذا القول لا يدل عليه ظاهر اللفظ ولا القياس لم يكن له أصل في الشرع.
وأما من علق النقض بالشهوة فالظاهر المعروف في مثل ذلك دليل له، وقياس أصول الشريعة دليل.
ومن لم يجعل اللمس ناقضاً بحال، فإنه يجعل اللمس، إنما أريد به الجماع، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة:237] ونظائره كثيرة، وفي السنن أن النبي ﷺ: «قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثم صلَّى ولم يتوضأ» لكن تكلم فيه.
وأيضاً: فمن المعلوم أن مس الناس نساءهم مما تعم به البلوى، ولا يزال الرجل يمس امرأته؛ فلو كان هذا مما ينقض الوضوء لكان النبي ﷺ بينه لأمته؛ ولكان مشهوراً بين الصحابة، ولم ينقل أحدٌ أن أحداً من الصحابة كان يتوضأ بمجرد ملاقاة يده لامرأته أو غيرها، ولا نقل أحد في ذلك حديثاً عن النبي ﷺ فعلم أن ذلك قول باطل والله أعلم(8) أهـ.
وقال ابن عبد البر رحمه الله: الذي ذهب إليه مالك وأصحابه في اشتراط اللذة ووجود الشهوة عند الملامسة أصح إن شاء الله؛ لأن الصحابة لم يأت عنهم في معنى الملامسة إلا قولان:
أحدهما: الجماع نفسه.
والآخر: ما دون الجماع من دواعي الجماع وما يشبهه.
ومعلوم في قول القائلين هو ما دون الجماع أنهم أرادوا ما ليس بجماع ولم يريدوا اللطمة ولا قبلة الرجل ابنته رحمة ولا اللمس لغير لذة.
ولما لم يجز أن يقال: إن اللمس أريد به اللطم وما شاكله لم يبق إلا أن يكون اللمس ما وقع فيه اللذة والشهوة؛ لأنه لا خلاف فيمن لطم امرأته أو داوى جرحها ولا في المرأة ترضع أولادها أنه لا وضوء على واحد من هؤلاء فكذلك من قصد إلى اللمس ولم يلتذ في حكمهم(9) .
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري(375) ومسلم(512).
(2)رواه أبو داود(179) والترمذي(86) والنسائي(1/104) وابن ماجه(502) وأحمد(6/210) وغيرهم وقال الحافظ في التلخيص(3/136): إسناده قوي وصححه ابن عبد البر والزيلعي في نصب الراية(1/82) وكذا صححه الألباني في صحيح أبي داود(165).
(3) رواه مسلم(2765).
(4) رواه مسلم(2763).
(5) بدائع الصنائع(1/119، 121) ورد المحتار(1/277، 278) والمغني(1/249).
(6) المجموع(2/30) والمهذب(1/23) والمغني(1/250).
(7) مسند الشافعي(1/11).
(8) مجموع الفتاوى(21/235).
(9) الاستذكار(1/255).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/bqX-eaNSutE