ما طول المدة التي يجوز فيها المسح على الخفين؟
الفتوى رقم (110)
ما طول المدة التي يجوز فيها المسح على الخفين؟
السؤال:
ما المدة التي يجوز فيها المسح على الخفين؟ وهل هناك فرق بين المقيم والمسافر في المدة؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
اختلف أهل العلم في المدة التي يجوز فيها المسح على الخفين هل هي مؤقتة بوقت محدد أم لا؟ وما هي المدة في المسح على الخفين؟ على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة -وهذا القول هو الصحيح- إلى أن المسح على الخفين مؤقت بيوم وليلة في الحضر وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر؛ لما رواه مسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «جَعَلَ رسول الله ﷺ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ»(1).
قال النووي رحمه الله ففيه -أي هذا الحديث- الحجة البينة والدلالة الواضحة لمذهب الجمهور أن المسح على الخفين مؤقت بثلاثة أيام في السفر وبيوم وليلة في الحضر، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم(2).
وبما رواه عوف بن مالك الأشجعي: «أن رسول الله ﷺ أَمَرَ بِالْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ في غَزْوَةِ تَبُوكَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ»(3) رواه الإمام أحمد وقال: هو أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها النبي ﷺ وهو آخر فعله(4).
القول الثاني: ذهب المالكية إلى أنه يجوز المسح على الخفين من غير توقيت بزمان، فلا ينزعهما إلا لموجب الغسل، ويندب للمكلف نزعهما في كل أسبوع مرة يوم الجمعة، ولو لم يرد الغسل لها، فإذا نزعهما لسبب أو لغيره وجب غسل الرجلين.
واحتجوا على ذلك بما رواه أُبَيُّ بن عِمَارَةَ قال: قلت: يا رَسُولَ الله أَمْسَحُ على الْخُفَّيْنِ؟ قال: «نعم» قال: يَوْمًا؟ قال: «يَوْمًا» قال: وَيَوْمَيْنِ؟ قال: «وَيَوْمَيْنِ» قال: وَثَلَاثَةً؟ قال: «نعم وما شِئْتَ»(5)، ولأنه مسح في طهارة فلم يتوقف كمسح الرأس في الوضوء والمسح على الجبائر، ولأن التوقيت لا يؤثر في نقض الطهارة، إنما الناقض للطهارة الحدث من البول والغائط والجنابة، ولأن التوقيت ينافي أصول الطهارات، فإنها دائرة مع أسبابها لا مع أزمانها، وإذا تقابلت الأخبار بقي معنا النظر.
قال النووي رحمه الله: وقال مالك في المشهور عنه يمسح بلا توقيت، وهو قول قديم ضعيف للشافعي، واحتجوا بحديث ابن أبي عِمارة (بكسر العين) في ترك التوقيت، رواه أبو داود وغيره وهو حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث.
وقال أبو بكر الجصاص رحمه الله: وأما حديث أبي عِمارة…لو ثبت كان قوله «وما شئت» على أنه يمسح بالثلاث ما شاء، وغير جائز الاعتراض على أخبار التوقيت بمثل هذه الأخبار الشاذة المحتملة للمعاني مع استفاضة الرواية عن النبي ﷺ بالتوقيت.
فإن قيل: لما جاز المسح وجب أن يكون غير مؤقت كمسح الرأس.
قيل له: لا حَظَّ للنظر مع الأثر، فإن كانت أخبار التوقيت ثابتة فالنظر معها ساقط، وإن كانت غير ثابتة فالكلام حينئذ ينبغي أن يكون في إثباتها، وقد ثبت التوقيت بالأخبار المستفيضة من حيث لا يمكن دفعها.
وأيضاً فإن الفرق بينهما ظاهر من طريق النظر، وهو أن مسح الرأس هو المفروض في نفسه وليس ببدل عن غيره، والمسح على الخفين بدل عن الغسل مع إمكانه من غير ضرورة، فلم يجز إثباته بدلاً إلا في المقدار الذي ورد به التوقيت(6).
وقال ابن قدامة رحمه الله: يحتمل أنه يمسح ما شاء إذا نزعهما عند انتهاء مدته ثم لبسها، ويحتمل أنه قال:«وما شئت» من اليوم واليومين والثلاثة، ويحتمل أنه منسوخ بأحاديثنا؛ لأنها متأخرة؛ لكون حديث عوف في غزوة تبوك، وليس بينها وبين وفاة رسول الله ﷺ إلا شيء يسير وقياسهم ينتقض بالتيمم(7).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم(276).
(2) شرح مسلم(3/144).
(3) رواه الإمام أحمد(6/27) وابن أبي شيبة(1/161) والبيهقي في الكبرى(1/275) وصححه الألباني في الإرواء(102).
(4) رد المحتار(1/456) والبدائع(1/38/39) والإفصاح(1/98) والمغني(1/366) ومغني المحتاج(1/64).
(5) رواه أبو داود(158) والبيهقي في الكبرى(1/278) وابن أبي شيبة(1/163) وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود(28) وقال النووي: ضعيف باتفاق أهل الحديث.
(6) أحكام القرآن(3/355) والشرح الصغير(1/106) وجواهر الإكليل(1/24) والذخيرة(1/323) والمغني(1/366) وشرح مسلم(3/145) والإفصاح(1/98).
(7) المغني(1/366).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/r_xiNIn-Iqg