هل يشترط للمسح على الخفين لبسهما معاً على طهارة؟ أم يجوز لبس واحد منهما قبل الآخر ثم غسل القدم الأخرى ولبس الخف الثاني؟
الفتوى رقم (112)
هل يشترط للمسح على الخفين لبسهما معاً على طهارة؟ أم يجوز
لبس واحد منهما قبل الآخر ثم غسل القدم الأخرى ولبس الخف الثاني؟
السؤال:
هل يشترط للمسح على الخفين لبسهما معا على طهارة؟ أم يجوز
لبس واحد منهما على طهارة ثم غسل القدم الأخرى ولبس الخف الثاني؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
اتفق أهل العلم على أنه يشترط لمن أراد المسح على الخفين أن يلبسهما على طهارة؛ لِحَدِيثِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا»(1).
إلا أنهم اختلفوا هل يشترط أن يلبس الخفين جميعاً على طهارة كاملة فلو غسل رجلاً ثم لبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها لم يصح المسح؟ أم أنها تصح هذه الصورة ؟على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور العلماء المالكية والشافعية والحنابلة في المذهب إلى أنه يشترط أن يلبس الخفين جميعاً على طهارة كاملة، فلو غسل رجلاً ثم لبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها لم يجز المسح؛ لأنه لم يدخلهما بعد طهارة كاملة؛ لحديث المغيرة السابق: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فجعل العلة وجود الطهارة فيهما جميعاً وقت إدخالهما، ولم توجد طهارتهما وقت لبس الأول، ولأن ما اعتبرت له الطهارة اعتبر له كمالها كالصلاة ومس المصحف، ولأن الأول خف ملبوس قبل رفع الحدث فلم يجز المسح عليه كما لو لبسه قبل غسل قدميه.
القول الثاني: ذهب الحنفية والإمام أحمد في رواية وجماعة من أصحاب الإمام مالك منهم مطرف وغيره -وهذا القول هو الصحيح- إلى جواز الصورة السابقة، وهي غسل رجلٍ ثم لبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها.
وقال الحنفية إن من شروط جواز المسح أن يكون لابسًا الخفين على طهارة كاملة عند الحدث بعد اللبس، ولا يشترط أن يكون على طهارة كاملة وقت اللبس، ولا أن يكون على طهارة كاملة أصلاً ورأساً.
وبيان ذلك أن المُحْدِث إذا غسل رجليه أولاً، ولبسُ خفيه ثم أتم الوضوء قبل أن يحدث ثم أحدث جاز له أن يمسح على الخفين؛ لوجود الشرط وهو لبس الخفين على طهارة كاملة وقت الحدث بعد اللبس؛ وذلك لأن ترتيب أفعال الوضوء على نسق الآية ليس بواجب، فلو قَدَّمَ رَجُلٌ غُسْلَ رجليه على باقي الأعضاء بأن مسحَ رأسَه ثم غسل يديه ثم وجهه صح وضوءه(2).
قال ابن رشد رحمه الله: واختلف الفقهاء من هذا الباب فيمن غسل رجليه ولبس خفيه ثم أتم وضوءه هل يمسح عليهما؟ فمن لم ير أن الترتيب واجب ورأى أن الطهارة تصح لكل عضو قبل تكملة الطهارة لجميع الأعضاء قال بجواز ذلك، ومن رأى أن الترتيب واجب وأنه لا تصح طهارة العضو إلا بعد طهارة جميع أعضاء الطهارة لم يجز ذلك، وبالقول الأول قال أبو حنيفة، وبالقول الثاني قال الشافعي ومالك، إلا أن مالكاً لم يمنع ذلك من جهة الترتيب، وإنما منعه من جهة أنه يرى أن الطهارة لا توجد للعضو إلا بعد كمال جميع الطهارة، وقد قال عليه السلام: «وَهُمَا طَاهِرَتَانِ» فأخبر عن الطهارة الشرعية.
وعلى هذه الأصول يتفرع الجواب فيمن لبس أحد خفيه بعد أن غسل أحد رجليه وقبل أن يغسل الأخرى، فقال مالك: لا يمسح على الخفين؛ لأنه لابس للخف قبل تمام الطهارة، وهو قول الشافعي وأحمد أي في إحدى روايته وإسحاق، وقال أبو حنيفة والثوري والطبري وداود: يجوز له المسح، وبه قال جماعة من أصحاب مالك منهم مطرف وغيره، وكلهم أجمعوا أنه لو نزع الخف الأول بعد غسل الرجل الثانية ثم لبسها جاز له المسح(3).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري(260) ومسلم(274).
(2) تحفة الفقهاء(1/85) والبدائع(1/42/43) ورد المحتار(1/453) والمبسوط(1/55) وشرح فتح القدير(1/35) وكفاية الأخيار(88) والمغني(1/360/361) والأم(1/48) وأسنى المطالب(1/94).
(3) بداية المجتهد(1/44).
الفتوى بصيغة فيديو: https://youtu.be/fYcMPCvsqrE