هل يجوز التيمم للمريض إذا خاف من البرد ونحوه؟
الفتوى رقم(159)
هل يجوز التيمم للمريض إذا خاف من البرد ونحوه؟
السؤال:
هل يجوز التيمم لمن خاف باستعمال الماء الهلاك أو حدوث المرض؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
يجوز التيمم لمن خاف باستعمال الماء الهلاك أو حدوث المرض أو زيادته أو بطء البرء للمسافر والمقيم في الحدث الأصغر و الأكبر، وهو قول جمهور الفقهاء -خلافاً لأبي يوسف ومحمد في الحضر-؛ لقوله تعالى:﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء:29] وقوله تعالى:﴿وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾[االبقرة:195]، ولما روى عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «احْتَلَمْتُ في لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ في غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إن اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذلك لِلنَّبِيِّ ﷺ فقال يا عَمْرُو: صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي من الِاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ إني سمعت الله جل جلاله يقول:﴿ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة:195] فَضَحِكَ رسول الله ﷺ ولم يَقُلْ شيئاً»(1). وسكوت النبي ﷺ يدل على الجواز؛ لأنه لا يقر على خطأ، ولأنه خائف على نفسه فأبيح له التيمم كالجريح والمريض.
وذهب الحنفية في المذهب إلى أن جواز التيمم للبرد خاص بالجنب؛ لأن المحدث لا يجوز له التيمم للبرد إلا إذا تحقق الضرر من الوضوء، فيجوز التيمم حينئذ.
ثم إن الفقهاء اختلفوا فيما إذا تيمم وصلى هل يعيد؟
والصحيح هو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية إلى أنه لا يلزمه الإعادة؛ لحديث عمرو بن العاص المتقدم، فإن النبي ﷺ لم يأمره بالإعادة ولو وجبت لأمره بها، ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض؛ لأنه أتى بما أمر به فأشبه سائر من يصلي بالتيمم.
وذهب الإمام أحمد في الرواية الثانية وهو قول أبي يوسف محمد من الحنفية إلى أنه يلزمه الإعادة؛ لأنه عذر نادر.
وقال أبو الخطاب: لا إعادة عليه إن كان مسافراً، وإن كان حاضراً فعلى روايتين؛ وذلك لأن الحضر مظنة القدرة على تسخين الماء ودخول الحمام بخلاف المسافر.
وقال الشافعية: إن تيمم المريض وهو واجد للماء خوف التلف وصلى ثم برئ لم تلزمه الإعادة قولاً واحداً، فإن لم يخف التلف وخاف زيادة المرض أو بطء البرء باستعمال الماء فهل يجوز له التيمم؟ فيه قولان: أحدهما: لا يجوز إلا مع خوف التلف، والثاني: يجوز، فإن تيمم الصحيح لشدة البرد وصلى وهو مقيم لزمته الإعادة قولاً واحداً، وفي المسافر في وجوب الإعادة قولان(2).
المفتي: الشيخ الدكتور ياسر ابن النجار الدمياطي، مؤلف موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)رواه أبو داود(334) والبيهقي في الكبرى(1/225) والدارقطني(1/178) وأحمد في المسند(4/203) وصححه الألباني في صحيح أبي داود(323).
(2) رد المحتار(1/398) والزرقاني(1/115) وحاشية الدسوقي(1/149) والمجموع(3/305/312) ومغني المحتاج(1/93/107) وكشاف القناع(1/163) والمغني(1/339) والإفصاح(1/92/93) وتفسير القرطبي(5/216/217).
الفتوى بصيغة فيديو:
https://youtu.be/eL9cTmjtTbA